التطريز والنقوش تعود لتجتاح موضة هذا العام
من الأقوال المأثورة للآنسة كوكو شانيل أن: «الموضة عبارة عن يرقة ثم فراشة في الوقت ذاته. فهناك أزياء تزحف وهناك أخرى تطير، وفي الوقت الذي لا تذهب فيه الفراشة إلى السوق، فإن اليرقة، بدورها، لا تذهب إلى الحفل».
كوكو شانيل كانت طبعا تتكلم عن ملابس النهار وملابس المساء والسهرة، فالاثنان بالنسبة لها مختلفان تماما، وعلى كل امرأة أن تحترم الفروق بينهما، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن رأيها لو ظلت على قيد الحياة إلى أيامنا، حيث ألغيت كل الفروق، وما كان صالحا للمساء، سواء من حيث الألوان أو التصميمات، اصبح مناسبا للنهار أيضا، والعكس.
بالتأكيد انها كانت ستنطق بحكمة أخرى، تؤكد لنا مدى خطئنا في الخلط بين الاثنين. المؤكد أيضا انها كانت ستذهل لاستعمال نقوشات الورود وغيرها من الكائنات الحية في ملابس السهرة، وهذا الكم من الألوان المتوهجة في أماكن العمل. فعدا أنها لم تكن تتقبل كثرة الألوان وتضاربها،
كانت ايضا تبتعد قدر الإمكان عن أي تفاصيل تسرق الأضواء من التصميم نفسه. فبأسلوبها، المتميز بالعملية والكلاسيكية، كانت من أهم الأسباب التي أدت إلى إفلاس الكثير من دور الأزياء، على رأسها دار المصمم بول بواريه، ملك الموضة كما كان يطلق عليه في بداية القرن الماضي، الذي تحتفل به نيويورك في متحف الميتروبوليتان للفنون من التاسع من شهر مايو (أيار) الحالي إلى الخامس من شهر أغسطس (آب) المقبل.
الجريمة الوحيدة التي ارتكبتها هذه الدور انها اعتمدت على هذه التفاصيل والتطريزات والألوان المشعة المستوحاة من الشرق ومن الطبيعة، وهذا ما كانت تعارضه مدرسة كوكو. فهي كانت ترى أي مبالغة تقييدا لحركة وحرية المرأة.
لكن على ما يبدو، فإن هذا الزمن ليس زمنها، ولو عاش بول بواريه إلى يومنا، لكانت له الكلمة الأخيرة. جانب مهم من الموضة الحالية يحتفل بالتفاصيل الكثيرة، بالإضافة إلى الألوان الصارخة، وكأن المصممين يريدون الانتقام من فترة «القليل كثير»، التي كان فيها استعمال أي تفاصيل وألوان يدخل في خانة إما قلة الذوق، أو اسلوب خاص بـ «حديثي النعمة»، أو بالهيبيز. ورغم ان الكثير من الموضة حاليا يخاطب «حديثي النعمة» أو الفتيات اللواتي يردن ان يلبسن سعر القطعة على صدورهن من خلال «لوغو» الدار المنتجة.
إلا ان موجة الالوان المتفتحة والنقوشات الصارخة بشكلها الحالي، لا علاقة لها بهؤلاء، فهي فنية أولا وأخيرا، بعد إدخال فنون الغرافيك والرسم التجريدي على أقمشتها. فمصمم مثل جايلز ديكون، مثلا، بنى سمعته، أولا وأخيرا، على الرسم على القماش، وعلى تسويقها كأشكال فنية تتسابق عليها الأنيقات، الأمر الذي جعله من أهم المصممين على الساحة البريطانية حاليا، تماما مثل بول بواريه في بداية القرن الماضي. الفرق بينهما، هو ان هذا الأخير استعان بفنانين معروفين، من أمثال بول إيريب، جورج لوباب، راؤول ديفي وإيرتي للقيام بهذه المهمة عنه، بينما جايلز ديكون يعتمد على نفسه ورؤيته الخاصة. فديكون، مثل العديد من المصممين الشباب، يرون ان أقصى ما يمكنهم القيام به في مجال التصميم هو تجديد القديم، بعد ان نفدت كل الأفكار الاصلية، وبالتالي لم يعد هناك إبداع بالمطلق، الأمر الذي دفعهم إلى مجالات لم يتم التطرق إليها من قبل لخلق هذا الجديد، مثل رسم نقوشات على الأقمشة تعطي الأزياء بعدا فنيا. فبعضها يجسد زنابق كلود مونيه المائية وبعضها الآخر زهرة دوار الشمس لفان كوخ، والبعض الآخر بنقوشات تعج باليرقات والفراشات وغيرها من الكائنات الحية.
اللافت أن هذه النقوشات والورود لم تعد تأتي على شكل حدائق رومانسية فحسب، مثلما كان عليه الأمر في فترة الستينات مع الهيبيز، الذين استعملوها كشعار سياسي وثقافي بعد حرب الفيتنام، بل تأتي على شكل غابات وأدغال متوحشة تضج بالألوان والنقوشات المتداخلة، كما رأيناها في عروض كل من أونغارو، روبرتي كافالي، لوكا لوكا، أوسكار دي لارونتا، ماثيو ويليامسون وغيرهم. وأكبر مثال على شعبيتها، أن قميصا طويلا، يمكن ان يلبس كفستان قصير، من الشيفون بتوقيع المصمم ويليامسون نفد من موقع «نيت أبورتي» Net _a-porter في غضون ساعات معدودات.
وللتأكد من جمالها، ما علينا إلا النظر إلى زهور أوسكار دي لارونتا، التي تمنحنا سكينة نشعر فيها وكأننا في حديقة من الستينات، أو زهور دوار الشمس أو البنفسج المطبوعة في فساتين موسكينو، التي قد تكون ضخمة، إلا انها رائعة بألوانها المتناغمة.
ولا يمكن هنا تجاهل دور مجلة «فوغ» في تسويق هذه الموضة بإعلانها في أعدادها الاخيرة أن الورود والأزهار تضفي على الشكل رونقا وشبابا، الأمر الذي دفع شوارع الموضة على التقاط الإشارة وطرح أزياء واكسسوارات متنوعة تخاطب شرائح أكبر.
لكن لا شك ان توهج هذه الألوان وضخامة النقوشات، لا يزالان يثيران الرعب في نفوس البعض منا، ممن لم يتعودن عليها، لكنها بقليل من الشجاعة، يمكن ان تتحول إلى ما يشبه نسمة هواء منعشة بعد فصل طويل من الألوان الرمادية والداكنة، كما ان تنسيقها مع قطع بألوان أحادية تخفف من توهجها وتجعلها مقبولة في أغلب الحالات. المهم عدم المبالغة فيها والاكتفاء بقطعة واحدة منها على ان تكون باقي القطع ألوانا حيادية. أما افضل نصيحة إذا لم تكوني متأكدة من أن هذه الألوان والنقوشات الصارخة تناسب اسلوبك وشخصيتك، فهي ان تختاري قطعة من محلات الموضة الشعبية، مثل «زارا» أو «توب شوب» وغيرهما.
فرغم انها قد لا تكون بجودة تلك التي تطرحها بيوت الأزياء العالمية، إلا أن سعرها المعقول سيتيح لك تذوقها وتجربتها. وفي حالة عدم اقتناعك بها أو عدم ارتياحك فيها، فإنك لن تندمين على صرف مبلغ طائل على قطعة لن تعرف طريقها إلى أي مناسبة من المناسبات التي ستحضرينها. لكن لا تستغربي إن هي شجعتك على اعتناقها، لتتحولين من يرقة خجولة إلى فراشة مزهوة بنفسها وبألوانها، وحتى كوكو شانيل، لو عاشت إلى يومنا هذا لشفيت من حساسيتها للنقوشات ولما اكتفت بزهرة الأوركيد كمجرد أكسسوارات.
نصائح الجمال
ـ انتبهي إلى انه كلما كانت النقوشات كبيرة، أثارت الانتباه أكثر.
ـ أحجامها يجب ان تتناسب مع حجم جسمك، إذا كنت ناعمة، مثلا تجنبي النقوشات الكبيرة جدا، وإذا كان لا بد منها، فلا بأس ان تكون على شكل فستان قصير جدا يمكن تنسيقه مع بنطلون ضيق. والعكس ايضا صحيح، إذا كنت تميلين إلى البدانة، فإن النقوشات الصغيرة لا تناسبك فاستعيضي عنها بالاحجام الكبيرة.
ـ إذا كنت تريدين مواكبة الموضة، لكنك تتميزين بأسلوب هادئ، يمكنك اختيار هذه النقوشات بلونين فقط مثل الأبيض والأسود، أو الأسود والأحمر، مثلا.
ـ إذا كنت تريدين التمويه عن جزء معين من الجسم، منطقة الأرداف مثلا إذا كانت ضخمة، فتجنبي النقوشات في هذا الجزء. ـ تذكري ان موضة هذا الموسم ليست بوهيمية بل رومانسية، لذلك ابدئي دائما باختيار التصميم المناسب قبل نوع النقوشات وحجمها.
ـ إذا لم يكن مكان العمل يتطلب منك زيا رسميا، فيمكنك الاستمتاع بهذه الموضة الربيعية من دون خروج عن الذوق، وذلك بتنسيق فستان أو قميص منقوش مع جاكيت قصير أو كنزة مفتوحة بلون واحد وحيادي. ـ الطبيعة والكائنات الحية لم تقتصر على الأزياء، فقد وصلت إلى عالم المجوهرات أيضا. فمصممة دار ديور، فكتوار كاستيلان، تطرح كل عام مجموعات متنوعة، تارة مستوحاة من حديقة ديور في دوفيل، وتارة من الأساطير والقصص الرومانسية، كما ان المصمم كريستيان ديور طرح هذا الموسم مجموعة من الاكسسوارات الرائعة تعشعش فيها حشرات لذيذة مرصعة بالأحجار، سواء في اقراط الأذن أو دبابيس الشعر أو البروشات