هكذا تجعلين المراهق يتحكم بعواطفه لتفادي الانتحار
باتت حالة الانتحار منتشرة في عدد كبير من دول العالم، ومن بينها الدول العربية. ومن أجل تقديم الدعم النفسي للمراهقين والأطفال، لتمكينهم من التحكم بعواطفهم وانفعالاتهم تفادياً لإقدامهم على سلوكيات مؤذية بحق أنفسهم،
منها الانتحار، أُقيم مؤتمر في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي بين قسم الطب النفسي وعلم النفس السريري وجمعية "إدراك" (مركز الأبحاث وتطوير العلاج التطبيقي) ومستشفى ماكلين- هارفارد والجمعية اللبنانية للطب النفسي والجمعية اللبنانية لعلم النفس.
في الجلسة الأولى للمؤتمر، الذي حمل عنوان " سلوكيات الأطفال والمراهقين المؤذية: التحديات والعلاجات المبنية على الأدلّة العلمية"، والتي أدارها رئيس "إدراك" الدكتور إيلي كرم والدكتورة ليلى ديراني من مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت،
تحدث المدير الطبي لبرنامج 3East Continuum في مستشفى ماكلين- هارفارد و كلية الطب في جامعة هارفارد الدكتور بليز أغويري عن العلاج السلوكي الديلكتيكي في العلاج النفسي للمراهقين والشباب.
ولاحظ أغويري أنَّ "الانتحار مصدر قلق كبير يؤثر على الشباب في كل أنحاء العالم، وأن الهدف الرئيسي في علاج المراهقين ذوي الأفكار الانتحارية، يتمثل في تمكينهم من التحكّم بعواطفهم وانفعالاتهم". ورأى أن "الصعوبات في التحكم بهذه العواطف والانفعالات تعكس قصوراً في المهارات اللازمة لذلك، وبالتالي فإنَّ الطريقة الأكثر فاعلية في تغيير السلوك الذي يمنع المراهقين من التكيّف، هو تعليمهم سلوكاً يمكنّهم من التكيّف".
وأشار إلى أن "عدداً كبيراً من الأنظمة تعتمد نهجاً علاجياً دقيقاً ومحدداً للأشخاص الذين يعانون من السلوكيات الانتحارية". وأوضح أن "ثمّة قاعدة واسعة من الأدلّة العلمية عن فاعلية العلاج السلوكي الديلكتيكي في حالات المصابين بأمراض نفسية الذين يعجزون عن التحكم بانفعالاتهم وعواطفهم ويعجزون عن تحمّل الضغوط النفسية، ويُظهرون ميولاً انتحارية أو توجّهاً لإيذاء أنفسهم".
وشرح أن العلاج السلوكي الديالكتيكي يركّز على بناء المهارات اللازمة التي تهدف إلى تحقيق تغيير يتيح للمراهقين التفكير بطرق جديدة، والتحكّم بانفعالاتهم وعواطفهم، والتعاطي مع الآخرين، والتعامل مع الضغوط النفسية".
أما الأستاذة في علم النفس في قسم الطب النفسي في كلية الطب في جامعة هارفارد الدكتورة ريما سعد، فتناولت التحديات المتعلقة باعتماد المقاربات السلوكية القائمة على الأدلة العلمية في برامج العلاج الجماعي والفردي في المستشفيات التي تتوافر فيها طرق علاجية متعددة.
التعاون ضمن فريق مدرّب ومتعدد الإختصاصات، وتحديد التدخل الأنسب والتزام المرضى، يزيد من فاعلية العلاجات السلوكية على مستوى أعلى من الرعاية.
وأشارت إلى أن "العلاجات السلوكية توفّر للأطباء والمرضى تدخّلات مركّزة، ويمكن اعتمادها في برامج العلاج الفردية والجماعية على مستويات مختلفة من الرعاية". وأوضحت أن "وظائف العلاج السلوكي الجماعي تساعد على تعليم المفاهيم، في حين أن العلاج السلوكي الفردي يساعد المرضى على تعميم استخدامهم للمهارات".
وأشار الاختصاصي في الطب النفسي للأطفال والمراهقين في مستشفى القديس جاورجيوس الدكتور رشاد الريّس من "إدراك" إلى أن تكوّن الأفكار الانتحارية عند المراهقين يشكّل موضوعًا متشعباً ومهمًا للإختصاصيين النفسيين. وشدّد على أهمية فهم الفارق بين التفكير الانتحاري الحادّ وذاك المزمن،
لمعرفة ما إذا كانت لدى المراهق أفكار انتحارية نشطة أم غير نشطة، ومساعدته على التخلّص منها. وأوضح أن تقصّي الطبيب التاريخ العائلي والشخصي للمراهق، وأي سوابق له في إدمان المواد المخدّرة أو الكحولية، يساهم في تقييم المخاطر، تمهيداً للعلاج السريري.
فهم العلاقة بين التنمّر وسلوكيات الإيذاء الذاتي
الأطباء المشاركون في المؤتمر
وقد أدار الجلسة الثانية كلّ من اختصاصية علم النفس السريري للبالغين في مستشفى القديس جاورجيوس ورئيسة الجمعية اللبنانية لعلم النفس وعضو "إدراك" الدكتورة إيمّيه ناصر كرم وطبيب الأطفال في مستشفى القديس جاورجيوس الدكتور روبير صاصي،
و تحدثت عضو "إدراك" إختصاصية علم النفس السريري للأطفال والمراهقين في المستشفى نفسه كارولين قرداحي، حيث تابعت عن موضوع الإيذاء الذاتي والتنمّر،
فعرضت مجموعة من البيانات والدراسات التي تتيح فهم العلاقة بين التنمّر وسلوكيات الإيذاء الذاتي، سواء لدى المتنمّرين أو لدى ضحايا التنمّر. وأشارت تابت إلى أن الدراسات أظهرت أن ثمةّ صلة إلى حدّ معيّن بين أفكار الانتحار والإيذاء الذاتي والسلوكيات الناجمة عنها، وبين التنمّر من أيّ نوع كان.
وأوضحت أن المتنمّرين يمكن أن يتسببوا بالأذية للآخرين وكذلك لأنفسهم. وشددت على ضرورة "عدم الاستخفاف بالتنمّر عبر الإنترنت Cyberbullying". وأشارت إلى أن الاضطرابات النفسية هي عامل الخطر الرئيسي المرتبط بدرجة الإيذاء، والذي ينبغي تقييمه لدى ضحايا التنمّر أو ممارسيه على السواء.
وقالت إن "الحالات الأكثر دقّة هي حالات ضحايا التنمّر، لكنّ المتنمّرين أنفسهم معرّضون لدرجة عالية من المخاطر". وأفادت بأنَّ "إدراك" تجري حالياً دراسة عن التنمّر تشمل عيّنة من 313 شخصاً تراوح أعمارهم بين التاسعة والثامنة عشرة، يعانون اضطرابات نفسية.
أما إختصاصية علم النفس للأطفال والمراهقين في مستشفى القديس جاورجيوس يمنى قصير حدّاد، فتناولت الصلة بين الإيذاء الذاتي وحالات التوحّد وتأخر النموّ، إذ أشارت إلى أن الإيذاء الذاتي هو أحد العوارض المصاحبة للتوحّد، وأعطت أمثلة عن السلوكيات من هذا النوع،
وبينها العضّ والحكّ العنيف ولكم الذات وضرب الرأس، وسواها. وعرضت نتائج بعض الدراسات في هذا الشأن، ومنها ما يبيّن أن سلوكيات الإيذاء الذاتي قد تصل إلى عشرات المرّات في الدقيقة الواحدة. وتطرقت إلى تحليل سلوكيات الإيذاء الذاتي، وبعض التدخلات العلاجية السلوكية.
وتحدثت العضو المؤسّس لجمعية Embrace والمعالجة العيادية النفسية مِيا عطوي عن تاريخ الجمعية وتطورها ووظيفتها، واشارت إلى أن "الانتحار أصبح سريعًا مصدر قلق كبير للصحة العامة في لبنان،
إذ يبلغ معدّل الوفيات الناتجة عن الانتحار شخصاً واحداً كل يومين ونصف اليوم، في حين أن معدّل محاولات الانتحار هو محاولة واحدة كل 6 ساعات".
وأفادت بأن "الانتحار هو السبب الرئيسي الثاني للوفاة في العالم بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 عامًا". واضافت: "في العام 2017، أطلقت Embrace أول خط وطني للدعم النفسي والوقاية من الانتحار، بالشراكة مع وزارة الصحة العامة. وشكلّت اتصالات المراهقين والشباب البالغين،
الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و21 عاماً، نسبة 25 في المئة من مجمل الاتصالات بهذا الخط منذ انطلاق العمل به"، لكنها أوضحت أن "هذه الاتصالات لا تتعلق بالضرورة بالانتحار، بل بمشاكل نفسية". وتابعت"أظهرت البيانات أن معظم المكالمات الواردة من منطقة بيروت، وغالبيتها (70 في المئة) من مراهقين يعانون الضيق النفسي".
وشرحت أبرز عوامل الخطر التي تتسبب بالتفكير الانتحاري لدى هذه الفئة، ومنها الاضطرابات النفسية والعزلة الاجتماعية والتعرّض المزمن للضغوط النفسية الرئيسية، مشيرة إلى أن الخلافات العائلية هي أبرز عوامل الخطر.
وأشارت إلى أن "بيانات الخط الساخن أظهرت أيضًا أن دعم الأسرة والدعم الاجتماعي هما أهم العوامل الوقائية".
وخلُص المشاركون إلى عدد من التوصيات، بينها زيادة التواصل والتحدث عن الإيذاء الذاتي، وتدريب العاملين في مجال معالجة السلوكيات المؤذية لدى الأطفال والمراهقين، وتحديد العواطف التي قد تتسبب بالحزن والإحباط لدى هؤلاء،
وتعزيز الدعم النفسي لهم وقدرتهم على تحمّل الانفعالات، وإيلاء أهمية لكيفية تعاطي الإعلام مع الوقائع في هذا المجال، وتعزيز الوعي في مجال الصحة النفسية وإمكان الحصول على الرعاية اللازمة في هذا الصدد.