كرش ميدو وتاريخ ابراهيموفيتش
يوم حار جدا، درجة حرارة تنذر بصيف ساخن، لم أتحمل مواصلة السير بلا هدف محدد في شوارع القاهرة، وشوش مختلفة والهم تقريبا واحد. حاولت الابتعاد عن اشعة الشمس والجلوس في مكان هاديء للراحة قليلا. طلبت مشروب بارد وبدأت أقرأ اخر الأخبار الرياضية المتاحة، باريس يفوز باللقب وأتليتكو يحقق المستحيل. لا جديد يذكر حتي فوجئت بخبر محتواه، أن اللاعب المحترف السابق أحمد حسام ميدو يقدم برنامج تخسيس اسمه #كرش_ميدو ! تذكرت أيام ميدو العظيمة في أوروبا وحزنت علي انتهاء مشواره بهذا الشكل . استمريت في قراءة الأخبار واذني متعلقة بحديث ثنائي الي جواري، لفت نظري الحماس الشديد في النقاش بين صديقين في نفس عمري، شباب ما زال في بداية حياته العملية. حلموا بأشياء عظيمة لكنهم واجهوا واقع مرير، الصدمة قتلت الكثير من الأمال داخل نفوسهم. الصديقان متناقضان الي حد كبير، هذا ما فهمته من خلال جدالهم، أحدهما متشاءم أو واقعي كما يقول، والاخر متفاءل أو حالم كما يؤكد .
الشاب الحالم يريد الوصول الي قمة العالم في مجاله الذي يحبه، يشعر وكأنه مقيد في وضعه الحالي، يدرك جيدا أن الأمر يتطلب مزيدا من المخاطرة لكنه متأكد أن النجاح الحقيقي يلزمه مغامرة مجنونة. رفيقه الاخر يطلب منه مزيدا من التعقل، حديث عادي أصبحنا نعيشه كل يوم في حياتنا، الروتين قاتل والتغيير جنون. كل من حولك يحاصرك بالمخاوف والشكوك، يريدون منك أن تظل كرد فعل، أن تبادر وتتمرد علي الوضع أمر خاطيء، من وجهة نظرهم .
قررت الاكتفاء بهذا القدر ومواصلة سيري المعتاد لكنهم غيروا الحوار الي برنامج أحمد حسام ميدو، الربط بين الخبر الذي فاجئني وحديث الشباب أجبرني علي مواصلة الانصات باهتمام. صديقنا المتحفظ أخذ المبادرة وقال لزميله، انظر الي ميدو لكي تدرك صحة وجهة نظري. أحمد حسام بدأ مع نادي أجاكس الهولندي، كان هداف الفريق ونجمه الأول، حصل معه علي بطولات محلية عديدة، انتقل بعد ذلك الي سيلتا فيجو وسجل هدف في مرمي سوسيداد أعطي الدوري لريال مدريد .
قدم نجاح كبير مع مارسيليا وبعدها مع توتينهام، صنع اسم جيد في الدوري الانجليزي خصوصا في البداية، لكنه توقف بعد ذلك وزادت مشاكله، انتقل من نادي الي اخر وانتهي به الحال في الدوري المصري ثم رحلة احتراف قصيرة وبعدها التوقف عن ممارسة اللعبة. نحن لا نستطيع أن نواصل، حتي اذا بدأنا بشكل جيد، نقع في دائرة الغرور والاكتفاء بما حققناه. ميدو ليس وحده، انظر حولك وستجد ألف ميدو في كل مجال، مجرد أن يحصل علي النجاح ويحقق ثروة محترمة، يبدأ في نسيان حلمه والتراجع أو الوقوف مكانه .
ميدو وغيره ينظرون تحت أقدامهم، التواجد في نادي مميز كالحصول علي وظيفة جيدة، التحول من انسان يملك حلم الي موظف يحاول الحفاظ علي مكانه. الأمر يتحول الي مجرد سبوبة، بدلا من أن تفكر كيف تطور من نفسك وتحلم بالمستحيل، ينصب تركيزك فقط علي الأمور الأخري كالاعلام أو المال أو الشهرة، كل في مجاله علي هذا المنوال. نحن يا عزيزي شعب يضم ملايين ميدو .
صديقنا الاخر لم يتأثر بحديثه وأخبره أن النماذج مختلفة في حياتنا، هناك بالفعل حالات تشبع وعدم استمرارية لكن ساقنعك بنفس أسلوبك. زلاتان ابراهيموفيتش زميل ميدو القديم في أجاكس، ميدو كان اللاعب الاساسي علي السويدي، ابرا لم ييأس واستمر حتي حصل علي مكان بالفريق. انتقل بعد ذلك الي أعظم أندية أوروبا. حصل علي بطولة الدوري الايطالي مع يوفنتوس وبعده انتر، الليجا في كاتلونيا مع بارسا جوارديولا، عاد الي ايطاليا وصنع اسم أقوي مع ميلان، حتي عندما ذهب الي فرنسا، توج باللقب المحلي مع سان جيرمان .
الغجري السويدي الذي عاني من طفولة صعبة، أب لا يفيق من ادمان الكحول، أسرة مفككة وأم عصبية دائما تضربه. زلاتان صمم علي النجاح، أدرك أن الوصول الي القمة يتطلب مزيدا من العمل. لعب في أجاكس ولم يكتف بذلك، أصبح اللاعب الأهم في ايطاليا والان يصنع تاريخ لنادي فرنسي. تحول بفضل عمله وجهده الي ابرا كادبرا، الساحر الذي ينال اعجاب المتابعين .
حتي دروجبا بدأ بديلا لميدو في مارسيليا، بعد مشاركة ميدو في بطولة أفريقيا 2004، عاد ليجد الفيل الايفواري أساسيا. دروجبا اغتنم الفرصة ولم يتركها، انتقل بعدها الي تشيلسي ليصنع تاريخ جديد لكرة القدم الأفريقية. هنا عظمة الطموح، عندما تنجح لا تتوقف بل عليك أن تواصل. كل لحظة فشل عانيت منها يجب أن تحولها الي اسلوب نجاح دائم .
تأثرت بحديث الشابين وأدركت أن وقتي قد حان، تركتهم في حديثهم الدائم لكن ظل في عقلي الصراع المتواصل بين الواقع الصعب والحلم الجميل. أمامي وأمام غيري العديد من المعتركات المستقبلية، لا أحد مرتاح في مكانه والرغبة في التحسن هي السمة الغالبة. أعلم أن فرصتي قادمة أجلا أم عاجلا، لكن عندما تأتي، هل سأكون كميدو أم كابراهيموفيتش !؟ الاختيار أمامكم جميعا .