هل الإهمال هو أسوء أنواع العنف؟
نحن الآن في شهر مناهضة العنف ضد المرأة وثل كل عام نتحدث كثيرا عن زيادة التوعية بأنواع العنف وكيف يمكنك الدفاع عن نفسك وحتى كيف تعرفي الشخص العنيف. ولكن صراحة هناك نوع من أنواع العنف لا يتم نقاشه على الإطلاق، وهو في رأيي من أسوأ أنواع العنف.
وهو الإهمال، تحديدا إهمال الأباء والأمهات لأبنائهم.أنا متأكدة أن جميعنا اختبرنا موقف تم تجاهلنا فيه، وبالطبع لم يكن شعورا جيدا على الإطلاق. فكيف سيكون رد فعلك إن كان من تجاهلك هم والديك؟
سيكون الجرح أعمق بكثير أليس كذلك؟ إذا ماذا سيحدث إن كان التجاهل من الوالدين هو الطريقة التي يتم التعامل بها معك منذ الصغر؟ هذا بالتأكيد سيترك علامة فيك مدى الحياة وستغير شكل شخصيتك بالكامل! إن كنت تظن أني أبالغ، فأؤكد لك أن هذا غير صحيح كما سأشرح لك في السطور التالية...
ونحن صغار، يكون والدينا هم كل عالمنا، هم من يعتنون بنا ويطعمونا ويعلمونا كيف نتصرف وأين نذهب وكيف نتعامل مع المواقف المختلفة. لذا عندما نجد أن عالمنا هذا لا يهتم بنا ولا يعطينا أي اهتمام هذا يشعرك بأنك صغير جدا.
بل تبدأ تنمو داخلك الشعور بأنك لا تستحق إضاعة وقتهم أو اهتمامهم فتشكك في نفسك وتدريجيا يتلاشى شعورك بقيمة نفسك.وعندما تصبح راشد يفتقر للثقة بالنفس، تجد أنك تتقبل المعاملة السيئة من الآخرين تجاهك ولا تثق بكلامك أو آراءك الشخصية. بل تبحث عن رضا الآخرين بغض النظر عن طريقة كسبك لرضاهم هذا.
وهو ما يعرضك لعنف مرة ثانية لتستمر دائرة تعرضك للعنف يأشكاله المختلفة.لقد رأيت هذا يحدث مرات عديدة مع أصدقائي الذين لم يجدوا من أهلهم الرعاية والاهتمام الكافي وهم صغار. فأصبحوا يسمحوا لأشخاص غير مخلصين بالدخول في حياتهم كأصدقاء أو أحباء، فيستغلونهم ويتعرضوا لعنف نفسي وذهني كبير.
هم يعتقدون أنهم سيجدوا منهم الاهتمام والرعاية إن تصرفوا بالطريقة الترضي الآخرين وينفذوا كل ما يطلبونه منهم. يشكلون أنفسهم في القوالب التي يرغب بها الآخرين لأنهم يظنوا أن حينها سيكونوا جديرين بالاهتمام الذي يبحثون عنه ويسعون إليه.إن كنتم لا تزالوا تتسائلون لما أعتقد أن الإهمال هو من أسوأ أنواع العنف،
أو لما يسمى بالعنف في الأساس، فسأقول لكم أن في كل مرة ترفضوا إعطاء اهتمامكم لأحد، تأثيره على حالتهم النفسية والذهنية مماثل لصفعهم.المشكلة الأكبر هي أن الإهمال من الوالدين لأبنائم أصبح معتاد جدا في عصر الإلكترونيات،
حيث أن أول رد فعل لأي شخص بمجرد الحصول على بضع دقائق فراغ هو النظر في هاتفه المحمول بدلا من قضاء وقت مع أطفاله. فالوالدين لم يعودوا يخصصوا وقت من جدول أعمالهم الحافل ليجلسوا ويتحدثوا ويلعبوا مع أطفالهم.
فبدلا من ذلك، هم يعطونهم تابلت أو هاتف ليسلوا وقتهم بالفيديوهات أو الألعاب الإلكترونية. هم لا يدركوا أن تصرفاتهم هذه هي إهمال وأنهم بذلك يعرضون أطفالهم للعنف النفسي.
أتمنى أن يدرك الأباء والأمهات مدى الضرر الذي تسببه تصرفاتهم على الأطفال. أتمنى أن يبتعدوا من الحين للآخر عن كل أشكال التكنولوجيا ويقضون بعض الوقت معهم. أتمنى أن يعطوهم الحب والاهتمام الكافي وينتبهمن لهم بدرجة تجعلهم يلاحظوا التفاصيل الصغيرة التي تميز أطفالهم.
هذا سيخلق فارقا كبيرا وستجعلهم يصبحوا شخصية وسوية وقوية تتحلى بالثقة بنفسها.