فاطمة أم أبيها صلي الله عليه وسلم
فاطمة .. «أم أبيها» صلي الله عليه وسلم
كانت رابعة البنات في تلك البيئة التي عرفناها مفتونة بالبنين، لكنها مع ذلك دخلت التاريخ الإسلامي كما لم تدخله أخري من أخواتها رضي الله عنهن، وتركت فيه من الاثار ماجاوز كل تصور واحتمال .. يوم استقبلها البيت المحمدي وليدة قبل المبعث بخمس سنوات .
لقد شاء الله أن يقترن مولد السيدة «فاطمة الزهراء» رضى الله عنها فى السنة الخامسة قبل البعثة بالحادث الجليل الذى ارتضت فيه قريش أن يكون الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم حكماً فيما نشب بينها من خلاف على وضع الحجر الأسود، فاستبشر أبواها بمولدها واحتفلا بها احتفالا لم تألفه مكة فى مولد أنثى سبقتها ثلاث أخوات ليس بينهن ولد.
وأمضت طفولتها سعيدة بحب أبويها وتدليل أخواتها «زينب، ورقية، وأم كلثوم» حتى تزوجن الواحدة إثر الأخرى، فترك ذلك فى مشاعرها الغضة أثراً عميقاً، كما كان للظروف التى طرأت على البيت حينذاك فعلها فى تقوية ذلك الأثر .. فلقد انشغل الأب بتأملاته التى انتزعته من دنيا الناس وشغلت الأم بزوجها الحبيب تحنو عليه فى فترة إقامته بالبيت وترسل قلبها معه إذا غاب، بينما انشغلت الأخوات الثلاث بحياتهن الزوجية الجديدة، لتصبح «فاطمة» شبه وحيدة مع خواطرها.
دوامة الأحداث
ثم كان الحديث الأعظم الذى هز الجزيرة فأيقظ فاطمة من أحلام طفولتها وألقى بها فى دوامة الأحداث الهائلة التى أعقبها نزول الوحى على أبيها صلى الله عليه وسلم، ووجدت نفسها وهى لم تتجاوز الخامسة من عمرها تقف فى مهب الإعصار الذى أثارته الوثنية العاتية فى وجه الدين الجديد.. لكنها كانت تدرك رغم صغر سنها معنى بنوتها للنبى الذى اصطفاه الله رسولا ومدى ثقل العبء الذى يجب عليها أن تحمله لتكون جديرة بمكانها من المصطفى الذى يلقى كل قريش وهو أعزل إلا من إيمانه بالحق. ولهذا ربط الإسلام بينها وبين أبيها المصطفى ووالدتها أم المؤمنين وأخواتها المسلمات برابطة أقوى من النسب وأغلى من الدم وأقرب من الرحم .. ونسى كل فرد فى البيت المحمدى شواغله الخاصة منذ تلاقوا جميعا حول دين واحد ورب واحد.
وهاهى ذى «فاطمة» قد هجرت ملاعب الصبا وانتبذت من صاحباتها مكاناً قريبا من أبيها فى قلب الميدان، وكان صغر سنها يتيح لها أن تخرج من البيت وتتبع أباها وهو يدعو قريشاً إلى الإسلام ويلقى فى سبيل رسالته الأذى والعداوة.
قريبة من أبيها
كانت هناك قريبا من أبيها صلى الله عليه وسلم» عندما أقبل يمشى إلى الكعبة .. ولما لمحه المشركون وثبوا عليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به يقولون: أنت الذى تقول كذا وكذا؟ وذكروا ما قاله فى أصنامهم وأوثانهم، فيقول صلى الله عليه وسلم: «نعم أنا الذى يقول ذلك»، وأمسكت فاطمة أنفاسها وهى ترى رجلاً منهم يمكسك بأبيها من ردائه وشلّ الذعر حركتها فوقفت حيث هى لترى أبى بكر يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجذبوه من لحيته ولم يتركوه إلا وقد جرحوا رأسه وغادر محمد صلى الله عليه وسلم البيت الحرام ومشى فى طريقه تتبعه ابنته حتى بيته ينتفض من شدة ما أصابه.
وكانت فاطمة فى موقف آخر تقف قريبة من أبيها وتحوم بعينيها وقلبها حوله وهو ساجد فى الحرم وحوله ناس من مشركى قريش يقذفون ظهره وهو ساجد .. فلم يرفع رأسه حتى تقدمت ابنته «فاطمة» وأخذت ما قذفوه ودعت على من فعل ذلك وإذ ذاك رفع صلى الله عليه وسلم وقال: «اللهم عليك الملأ من قريش .. اللهم فلان وفلان ..» فخشع المشركون لدعائه وغضوا أبصارهم حتى انتهى من صلاته وانصرف إلى بيته تصحبه ابنته الغالية.
وكانت هناك يوم خرج النبى صلى الله عليه وسلم إلى قريش وقد نزل عليه قوله تعالى: «وأنذر عشيرتك الأقربين» فأخذ ينادى: «يامعشر قريش اشتروا أنفسكم .. لا أغنى عنكم من الله شيئا، يابنى عبد مناف: لا أغنى عنكم من الله شيئا ... ويا فاطمة بنت محمد: لا أغنى عنك من الله شيئاَ» وخفق قلب فاطمة حناناً وتأثراً وسارت بين جموع الناس مرفوعة الهامة مشرقة الأسارير مزهوة باختيار أبيها صلى الله عليه وسلم من بين أخواتها جميعاً .. بل من بين أهل بيته الخاص ليؤكد للناس أنه صلى الله عليه وسلم لايغنى من لله شيئا.. حتى لو كان أعز الناس عنده وأحبهم إليه وأقربهم منه.
اطمئني يا أماه
دخلت فاطمة على أمها السيدة خديجة تحدثها والدنيا لاتسعها من فرط فرحتها وزهوها عما سمعت من دعوة أبيها لقومه أن يشتروا أنفسهم فإن أحداً لن يغنى عن أحد من الله شيئا .. حتى فاطمة بنت محمد لن يغنى عنها أبيها.