من هو صاحب الجنتين ؟

* منح الله أحد الرجال مالاً وفيراً وأرضاً شاسعة تَجود بالخيرات , وكان لهذا الرجل ولدان

تختلف طباعُهما ,

وتتباين آراؤهما , فالأول كريم يحب الفقراء والمساكين , ويساعدهم كلما استطاع إلى ذلك سبيلاً , والثاني متعال

لا يساعد فقيرا أو محتاجاً , ويسخر من إقبال أخيه على المساكين والفقراء .

شبَ الولدان , وبلغا مبلغ الرجال وهما إلى جانب أبيهما يُساعدانه في إدارة الأعمال وجني الأرباح التي كانت

تُغلها الأرض وغيرها من أملاك أبيهما , وتمر الأيام , وتتوالى السنين , فتزداد ثروة الأب , وتصبح الأرض بساتين

تَجود بكل أنواع الثمار والخيرات , ويتقدم العمر بالأب , ثم يمرض ويموت مخلفاً لهذين الأخوين كل ما جناه في

حياته الطويلة , فيتقاسمان الميراث , ويستقل كل واحد عن الآخر , وينفرد بتدبير أمره .

ولم يكن بُدٌ من أن يترك اختلافهما في الطباع والآراء آثاراً واضحة قوية في تصرفات كل منهما , فقد كان الأول

يشعر بما يشعر به الفقير والمعدوم , أما الثاني فكان في كل يوم تُشرق عليه الشمس يَشتدُّ حرصاً على المال ,

وطمعاً في زيادته .

أَخذ الأول نصيبه من مال أبيه , فراح يبحث عن الفقراء والمساكين ليعطيهم مما أعطاه الله وأن الله أعطاه هذا

المال ليمتحنه فيه ويختبره , وعلى هذا النحو الذي ليس فيه تكلف أو تظاهرٌ مضى هذا الأخ في سيرته يُعينُ

المحتاج , ويعطي المحروم ويفك الأسير حتى لم يبق له من أمواله إلا ما يسدُّ حاجاته وحاجات أهل بيته .



أما أخوه فقد كان مُسرفاً في حب المال , والسعي وراء تكديسه , يسمع أنَّات المحرومين وأصوات الجائعين

والمحتاجين فيتجاهلهما , ولا يَحفلُ بها , فتكدست الأموال , وهو بها فرح , وازداد بطراً وتكبراً على الناس .

وكي يأخذه البطر والغرور بما هو فيه , انهالت عليه الأموال , فكدسها في خزائنه , ورزق أولاداً كثيرين زادوه

غروراً وتكبراً , وماكان هذا النعيم الذي غرق فيه ليغير شيئاً من طباعه , كانت معظم أموال هذا الأخ وثروته ,

تتدفق عليه من بساتين عظيمين , ومن بساتين الكروم , وقد جاد البستانان وما فيهما من زروعٍ بكل أنواع الثمر

والفواكه__{{ واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخيل وجعلنا بينهما زرعاً *

كلتا الجنتين آتت أُكلها ولم تظلم منه شيئاً وفجرنا خلالهما نهراً }}__

وأراد هذا الأخ المتكبر أن يسخر من أخيه , فأخذه من يده , وأدخله إلى بستانه الذي ينصفه النهر , ونفسه تُنكر أن

تبيد جنته لطول أمله وتمادي غفلته , فيقينه بالله مزعزع غير راسخ , وقال لأخيه إن هذه الجنة لن تهلك ولن تفنى

ولن تتلف __{{ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها

منقلباً }}__

سمع أخوه المؤمن هذا الكلام , فوعظه : وقال له الله خلقك من نطفة وعدلك وكملك إنساناً ذكراً بالغاً مبلغ

الرجال__{{ قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً }}__ فإذا كنت

كافراً بالله فإنني مؤمن موحد__{{ لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحداً }}__ولأنك كفرت بنعمة الله , ولم

تشكرها , التي اعتقدت أنها لا تبيد ولا تفنى , قادر على أن يذهب ماء جنتك , ويجعله غائراً في الأرض فيفنى

بستناك__{{ ولو لا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترنِ أنا أقل منك مالاً وولداً , فعسى ربي أن

يؤتيني خيراً من جنتك ويرسل عليها حسباناً من السماء فتصبح صعيداً زلقاً , أو يصبح ماؤها غوراً فلن نستطيع له

طلباً }}__أسرف هذا الأخ في البخل وازدراء نعمة الله , وأسرف في إيثار نفسه وأولاده على كل شيء

,

وهذه الجنة التي كانت مَضرِبَ المثل في عظمتها وازدهارها , هذه الجنة التي حرم الفقراء والمحتاجون من

خيراتها ومالها , قد خوت من على عروشها محطمة مهشمة , وأصاب الهلاك كل ثمرها فلم يسلم منها شيء , وراح

صاحبها يضرب إحدى كفيه على الأخرى ندماً وتحسراً على الأموال التي أنفقها عليها , وتذكر نصح أخيه__

{{وأحيط بثمره فأصبح يُقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي

أحداً , ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وماكان منتصراً , هنالك الولاية لله الحق هو خيرٌ ثواباً وخير عقباً }}__



الأخوة والأخوات الأكارم : المؤمنون لا يجمعون المال إلا لينفقوه على أصحاب الحقوق ,

وغيرهم يجمعون المال

ليكدسوه ؟؟؟ فهم لا يعرفون أن أموالهم حقاً معلوماً للسائل والمحروم , فحال الكافرين والمؤمنون كحال هذين

الرجلين .

{ نقلت لكم هذه القصة من قصص القرآن }

{ لخليل توفيق موسى }

{ ودمتم برعاية الله وحفظه ومع أطيب السلام }


بحث مفصل



المقالات ذات صله