الصدق طريق النجاة
الصدق طريق النجاة
معنى الصّدق لغةً:
أنبأ بالصّدق، وصدق الحديث، أما مفهومُ الصّدق اصطلاحاً فهو وصف، أو إخبار، أو إبلاغ عن شيء ما، أو حدث ما بما هو واقع، وهو نفيض الكذب، وهو أيضاً مطابقة القول مع الضمير، أو مطابقة قول المُخبر عنه، وإذا أُخلّ بأحد الشروط لم يعدْ صدقاً، والصدقُ من أفضل السّماتِ الإنسانيّة والفضائل الأخلاقيّة التي يجب التحلّي بها.
[١] الصدق طريق النجاة الصّدق هو أحد المقوّمات والدّعائمِ الأساسيّة التي يقوم عليه المجتمع النّاجح؛ لما له أثر كبير على حياة الفرد بشكل عامّ، وتآزر المجتمع بشكل خاصّ، فالصّدق يدخلُ بكلّ تفاصيل حياة الفرد، ولا يقتصرُ الصّدق على صدق القول والأحاديث،
بل يتعدّى ذلك إلى دلالاتٍ أخرى في القرآن الكريم، ولو تمعّنا في حال المؤمن لوجدنا أنّه نالَ أعلى درجات الإيمان بفضل صدقه، وصدْقِ نيّته، في القول والعمل، وصدق الإرادة والعزم، فالمسلمُ حينما يكون صادقاً مع نفسه، ومع ربّه،
ومع الناس جميعاً يستطيع تحقيق انسجاماً داخليّاً مع نفسه، وهذا يؤثّر على استقامته مع الناس أيضاً، ويبني علاقةً عامرة مع الله -عز وجل-. قال -الله عز وجلّ- في محكم كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)،
[٢] نستدلُّ من هذه الآية الكريمة بأنّ تحقيقَ التقوى وطاعة الله تستوجبُ عادةً بيئةً معيّنة تساعدُ المسلم على الطّاعة، والبيئة التي تمّ ذكرُها في هذه الآية الكريمة بيئة الصادقين، وقد خصّ الله -عزّ وجلّ-
لفظةَ الصّادقين بهذه الآية الكريمة دون غيرها من الألفاظ؛ لأنّ الصادق هو الذي يستطيع نفع وتقديم كلّ ما هو خيرٌ لغيره، وعندما يصاحبُ المسلمُ الصّادقين فإنّه يأخذُ من آدابِهم، وأخلاقهم، وعلمهم، وأحوالهم، وهذا كله مدعاة لنجاة المرء.
الصّدق سبيلُ الأمّة للنجاة من المهالك، كما قال الرّسول -عليه السّلام-: (إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا).
[٣] يتحقّقُ البرُّ هنا بالصدق، وهي كلمةٌ جامعة للأعمال الصالحة، وجميع أبواب الخير والفضل، أمّا الكذب الذي يؤدّي إلى الفجور فيعني الميلَ والانحراف عن الحقّ، وهذه كلها موانعُ للخير.[٤]، وكما ورد أيضاً في الآية الكريمة :(فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ﴾[٥]،
أي الخير كله والفضل في الصدق والتصديق. مرتبة الصدق مرتبة الصدّيقين تَلي مرتبة النبوّة في الإسلام، ويدلّ هذا على أهميّة الصدق في حياتنا الدّينيّة والدنيويّة، فهو يُبلّغنا أعلى الدّرجات، قال تعالى:
(وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا). [٦] وقد وصف الله تعالى نفسَه بالصّدق في الآية الكريمة: (ومن أصدق من الله قيلا)،[٧] كما وصف رسولَه الكريم أيضاً في الآية الكريمة:
(وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)،[٨] مرتبةُ الصّدق إذاً مرتبة عليّة يصلُها المسلم حين يرتقي بكلّ تفاصيل حياته بصدق تامّ في الأقوال، والأفعال، والنّوايا.[٤] أقسام الصدق ينقسم الصّدقُ إلى مراتبَ وأقسامٍ كالآتي:
[٩] الصِّدق في الأقوال، وهو مطابقة الأقوال مع الواقع من غير تحريف. الصِّدق في الأفعال، وهو مطابقة الأقوال مع الأفعال، كتنفيذ قسم أو حلف. الصِّدق في العزم، وهو الصدق على إرادة الخير والتّوبة، والصّدق مع الحال فيكون حال المسلم مطابقاً لقلبه ولسانِه. الصِّدق في النيَّة،
وهو تطهير النّفس من الشّوائب التي تلوّث النيَّة وتفتكُها بالآفات، وتجديد الإخلاص لله تعالى دائماً في النيّة. ثمرات الصدق يعودُ الصّدق بثمرات ومنافعَ عديدة على صاحبه، نذكرُ بعضاً منها: تحقيق العبوديّة لله عزّ وجل: وذلك بالاقتداء بنهج نبيّه -علية السّلام-،
والشعور بمراقبة الله -عز وجل- لنا في أقوالنا وأنفسنا، ودوام الصّلة بالله -عز وجل- حين نطلب الهداية بصدق. نيل حسن العاقبة في الدنيا والآخرة: ينال الصادق خير الدنيا وحُسن الخاتمة في الآخرة بفضل الصّدق، كما ورد عن الرّسول -عليه السّلام- في الأحاديث المذكورة أعلاه.
نيل الثناء في الملأ الأعلى وفي الدنيا: ينال الصّادق درجة الثناء في الملأ الأعلى، وتعلو منزلته في الدّنيا، ويعظم قدرُه بين النّاس نتيجة تَحَرّيه للصدق، كما ذُكر في الحديث أعلاه. البركة في الدنيا والآخرة: حصول الصّادق على بركة في عمره وفعله ورزقه عند تطبيق الصدق في كلّ حياته.
عِظَم القَدْر، وعُلُوّ المنزلة في المجتمع: فالذي يتحلّى بالصّدق يَعْظُم قَدْرُهُ، وتعلو منزلته بين الناس؛ لاعتقادهم أنه ما فعل ذلك إلاّ عن حسن سيرة، ونقاء سريرة، وكمال عقل. مصدر للرّاحة النفسيّة والطّمأنينة: تستقيم حياة الفرد بالصّدق، وبالتّالي يتخلّص من المُكَدِّرات التي تشوبُ حياة بعض الأفراد؛ بسبب عدم الوضوح والشكّ، قال الرسول -عليه السّلام-:
(دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقِ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ).[١٠] الصدق نجاة لصاحبه: كما في قصة كعب بن مالك لمّا تخلّف عن غزوة تبوك. نيل الأجر والثّواب في الآخرة: فالمسلم حين يحاول طيلة حياته إرضاء الله بصدق، ويتحرّى الصدق في كلّ حياته ينال الأجر الكبير، لقوله تعالى:
"هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ"[١١] أقوال في الصدق حرص الصّحابة والتّابعونَ على تحرّي الصّدق في حياتهم، وعلّموا هذا الخلقَ لأولادهم، وفيما يأتي هذه بعض الإضاءات حول الصّدق:[١٢] قال عبد الملك بن مروان لمعلّم أولاده:
(علّمهم الصّدقَ كما تعلّمهم القرآن). قال عمر بن الخطّاب: (لأنْ يضعَني الصّدقُ وقلّ ما يفعل، أحبّ إليّ أن من أن يرفعَني الكذبُ وقلّ ما يفعل). قال ابن عباس -رضي الله عنه-:
(أربع من كن فيه فقد ربح: الصّدق، والحياء، وحسن الخلق، والشّكر). قال الإمام الأوزاعيّ -رحمه الله-: (والله لو نادى منادٍ من السّماء أنّ الكذب حلال ما كذبت). قال يوسف بن أسباط -رحمه الله-:
(لأن أبيت ليلةً أعامل الله بالصّدق أحبّ إليّ من أن أضرب بسيفي في سبيل الله).
https://youtu.be/SBEikt0ZXqE