إحسان الظن بالناس
١ إحسان الظن بالناس
٢ معنى إحسان الظنّ
٣ أهمية إحسان الظن بالناس
٤ كيفية إحسان الظن بالناس
٥ المراجع إحسان الظن بالناس دعا الإسلام المسلم إلى إحسان الظن بالناس جميعاً، حيث إنَّ المطَّلع الوحيد على البواطن هو الله سبحانه وتعالى فقط، وهو يتولى السرائر ويُحيط بها،
ولإحسان الظن بالناس منزلة عالية في الإسلام لما له من نشر التحابب بين الناس، ودفع العدواة والبغضاء فيما بينهم، كما أنّ إحسان الظن بالناس من الأخلاق النبيلة التي لا يتَّصف بها إلا مؤمنٌ معلوم الإيمان،
فماذا يعني إحسان الظن بالناس، وكيف يصل المسلم إلى درجة إحسان الظن بالناس وعدم الشك بهم؟ معنى إحسان الظنّ الظنّ في اللغة: يأتي الظنّ في اللغة بمعنى الاعتقاد الراجح الذي يحتمل وجود نقيضٍ له، كما يَرِد الظن بمعنيين في اليقين هما الشكّ واليقين،
فربما يرد الظن ويُقصد به التَّيقن والتحقق من الشيء، وربما يرد بمعنى الشك، ويُشير إلى ذلك موضع الظن في الجملة.
[١] حسن الظن اصطلاحاً: حُسن الظن يَرِد بعدة معانٍ، فإحسان الظن بحقِّ الله يعني: أن يعلم المسلم أنّ الله إنّما يبتليه إذا ابتلاه لحكمةٍ عنده، وأنّه سبحانه وتعالى لم يُرد بابتلائه له إهلاكه أو تعذيبه أو إيذاءه،
إنّما ابتلاه كما ابتلى غيره من الخلق؛ ليمتحنه ويمتحنهم جميعاً كما اقتضت حكمته جلَّ وعلا، كما اقتضت مشيئته وسنته في خلقه، وليعلم الله المؤمن الصابر الراضي بما يصيبه من البلاء ممن يجزع ويكفر،
ولكي يسمعه يدعوه ويرجوه ويضرع إليه أن يكشف ما أصابه من البلاء، ويلجأ إليه بالدعاء في جوف الليل.
[٢] كما يرد إحسان الظنُّ في الاصطلاح على غير الله ويأتي بمعنى: أن يُرجِّح الإنسان ويُغلِّب جانب الخير على جانب الشر لجميع من يُقابله من الناس فلا يضمر ويتوقع منهم إلا الخير، ولا يضمر لهم إلا الخير.
[٣] أهمية إحسان الظن بالناس يحتلُّ حُسن الظن بالناس أهميةً مميزةً في الإسلام، لذلك حثّ عليه الإسلام ودعا له في العديد من الآيات والأحاديث النبوية، ونذكر من أهميته ما يلي:
[٣] يؤدي حسن الظن إلى سلامة الصدر من الأحقاد والأضغان، ويدعو إلى حب الناس وتدعيم روابط المحبة والألفة بين أفراد المجتمعات المسلمة، وقد ورد حثُّ النبي صلى الله عليه وسلم على حُسن الظن من خلال قوله: (إيَّاكم والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أَكْذبُ الحديثِ ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا،
ولا تَنافسوا، ولا تحاسَدوا، ولا تباغَضوا، ولا تدابَروا، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا).
[٤] إذا تمثَّل المجتمع المسلم خلق حسن الظن بالناس حتى يصبح ظاهرةً عامةً فيه، فإنّ أعداء المسلمين سيعجزون عن النيل منهم، وستفشل كل محاولاتهم لذلك، حيث إنّ القلوب التي يكون أساسها مبنياً على إحسان الظن ببعضها تكون متآلفةً صافية،
ولا يستطيع أحدٌ الولوج إليها وتعكير صفوها، كما أنّ مثل تلك المجتمعات تصبح أبعد ما يكون عن المنكرات. الظن السيئ يؤدي بصاحبه للمهالك ويورده الموارد الصعبة التي توصله إلى غضب الله وسخطه بعد أن يتتبع عورات الناس ويبحث عن زلاتهم وسقطاتهم.
يزرع سوء الظن التنازع بين المسلمين، ويقطع عنهم حبال الأخوة والمودة، وقد حذَّر الله سبحانه وتعالى من الظن وسوئه في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ).
[٥] كما روى البوصيري من حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال: (حسنُ الظنِّ مِن حسنِ العبادةِ)،
[٦] فهذا الحديث يُظهر أنّ حسن الظن يرجع إلى ما يحوي قلب المؤمن من العبادة، فهو ترجمةٌ فعلية لها على أرض الواقع. كيفية إحسان الظن بالناس ينبغي على المسلم حتى يصل إلى مرتبة إحسان الظن بالناس أن يقوم ببعض الأمور والوسائل المعينة على ذلك، ويسعى إليها بالعمل لا بالقول،
فإنّ الإيمان يؤخذ بالأفعال لا بالأقوال، ومن بين الأمور المعينة على بلوغ درجة إحسان الظن بالناس ما يلي:
[٧] أن يُنزل المسلم نفسه منزلة الخير، ويسعى لذلك بكلّه، ويتوجه إليه بأفعاله وأقواله ومعاملاته. أن يحمل المسلم ما يسمعه من الكلام الصادر عن جميع الناس على أحسن المحامل وأفضلها، فلا يعتقد أو يظن في كلامهم شراً، ولا ينظر إلى أقوالهم وتصرفاتهم نظرة ريبةٍ وشك.
التماس العذر للناس خصوصاً الأقارب والأصدقاء والمعارف، قال ابن سيرين رحمه الله: (إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذراً، فإن لم تجد فقل: لعل له عذراً لا أعرفه). عدم الحكم على النوايا حيث إنّ النوايا لا يعلم حقيقتها إلا الله، فعَنْ أَبِي ظَبْيَانَ،
قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ، قَالَ: (بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحُرَقَةِ مِن جُهَيْنَةَ قَالَ: فَصَبَّحْنَاهُمْ، فَقَاتَلْنَاهُمْ، فَكَانَ مِنْهُمْ رَجُلٌ: إِذَا أَقْبَلَ الْقَوْمُ كَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ عَلَيْنَا وَإِذَا أَدْبَرُوا كَانَ حَامِيَتَهُمْ، قَالَ: فَغَشِيتُهُ، أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: فَلَمَّا غَشِينَاهُ،
قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِيُّ، وَقَتَلْتُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا مِنَ الْقَتْلِ، فَكَرَّرَهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ).
[٨] أن يستحضر المسلم في قلبه وعقله آفات ومصائب سوء الظن بالناس وعدم تزكية نفسه بالشك بهم، قال سفيان بن حسين: (ذكرت رجلاً بسوء عند إياس بن معاوية، فنظر في وجهي،
وقال: أغزوتَ الرومَ؟ قلت: لا، قال: فالسِّند والهند والترك؟ قلت: لا، قال: أفَتسلَم منك الروم والسِّند والهند والترك، ولم يسلَمْ منك أخوك المسلم؟! قال: فلَم أعُد بعدها).