ما هي الغيبة؟ وما هي النميمة؟


الغيبة، والنميمة، والبهتان، هذه الثلاثة، هي من آفات اللسان التي يجب أن نتخلى عنها، والغيبة كما عرفها رسول الله ﷺ: «أن تذكر آخاك بما يكره». يبقى سواء أكان فيه أو ليس فيه. فإن كان فيه فعلًا الذي ذكرته حقيقة فقد اغتبته، وإذا لم يكن فيه فقد بهته.
إذن، نستطيع أن نقول إن ذكر الأخ ما يكره ينقسم إلى قسمين: غيبة وبهتان.
والغرض من هذا هو أنني أذكره فأحقره، لكن إذا أردت أن أفسد في الأرض بهذه الغيبة، تحولت إلى نميمة أوقع بين الناس، يعني أنا لا أذكر هذا انتقاصًا منه؛ ولكن لكي أحدث فتنة بينه وبين من حوله، فهذه هي النميمة.
ما الذي يكرهه؟ أذكر نقصًا في بدنه، في نسبه، في خَلْقِهِ، في فعله، في قوله، في دينه، في حياته، في ثوبه، في داره، في أي شيء، المهم أنه لو بلغه ما أقول لكره هذا، فهذه غيبة.
العلماء الحقيقة لأنهم علماء عاملون، فيصطدموا عند تطبيق هذه القيم العليا بقضايا ومشكلات فينبهوا عليها، فنحن عندنا سلمان بن مهران اسمه الأعمش، ونقول عليه: الأعمش، وأيضا حاتم الأصم، والجاحظ، وكذا. فهل ارتكبنا غيبة؟
ولذلك قاموا بعمل بيتين شعر يحلوا بها هذه المشكلة:
القدح ليس بغيبة في ستة ... * ... متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسقًا ومستفتٍ ومن ... * ... طلب الإعانة في إزالة منكر
متظلم: يعني ذاهب يشكي للقاضي، للبوليس، للنيابة، إن فلان الفلاني سرقني، أليس بذلك قد اغتابه ؟ اغتابه صحيح، ولكنه يبحث عن حقه، متظلم.
ومعرف: فنقول على سليمان بن مهران " الأعمش"، أنا بعرفه.
ومحذر: فإذا أتى لي من يسأل عن شخص ليزوجه ابنته وأنا اعرف عنه أشياء، فأقول له مثلا: عليه قضية شيك بلا رصيد، عليه قضية مخلة بالشرف، هذا الراجل عنيف، هذا الراجل بخيل، يجب أن أتكلم لأن أنا محذر هنا.
ولمظهر فسقًا: شخص فاسق علنًا ويجاهر بفسقه ويتفاخر به.
ومستفتي: من يأتي المفتي ويستفتيه عن أشياء خاصة به وباهله.
طلب الإعانة في إزالة منكر: وجدت ناس تغتصب أرض فاحضر الشرطة؛ لكي يمنعوهم من هذا.
إذن، هذه الستة هي التي لا غيبة فيها، ولكن هى عبارة عن مصلحة يؤديها بضوابط معينة، فينبغي علينا أن نتأكد من هذا المعنى.
ما هى الأشياء التي تبعث على إن أنا أعمل غيبة أو نميمة؟
شهوة القلب، ربنا يقول: {وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} فهي شهوة، يريد أن يأكل لحم أخيه، هناك شهوة عند الإنسان اسمها الشهوة الغضبية، وشهوة أخرى منها التشفي، والتشفي يحدث عندك شيئًا آخر من التكبر، من الكبر، وستقع فيه في يوم من الأيام.
فيه أيضًا سبب آخر وهو موافقة الرفقاء، وهو ما يسمى العقل الجماعي. يساير الجو الجالس في وسطه.
يجلس مع ناس تقول: فلان سيء، فيرد : صحيح فلان سيء . الإمام الغزالي يكتب هذا في «الإحياء» فيقول: من أسباب الغيبة " المسايرة" وهي الرفقة، التي نطلق عليها في الأدبيات الحديثة: العقل الجمعي. وأيضا من ضمن الأسباب إرادة التصنع والمباهاة.
من ضمن الأسباب الاستهانة، واللعب، والهزل، وكذا إلى آخره.
من ضمن الأسباب حب السخرية والاستهزاء، وكل ده منشأه على فكره الكبر.
من ضمن الأسباب : الحسد.
من ضمن الأسباب: دسائس الشيطان. يعني الشيطان ساعات يجعل الواحد يقول كلام ملفوف وهو في الآخر غيبة ونميمة.
كل ما نذكره جاء عن تأمل وتدبر العلماء ، فهو يريدوا فعلا الابتعاد عن الغيبة والنميمة.
إذن، تريد أن تبعد عن الغيبة والنميمة ماذا تفعل ؟ ابتعد عن الحسد.
وربنا سبحانه وتعالى أمرنا: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}، والنبي ﷺ يقول: «كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله، وعرضه».
كيف نتخلص من آفة اللسان؟ أول شيء «اضمن لي ما بين لحييك وفخذيك، أضمن لك الجنة»، يجب علينا أن نعظم شأن الغيبة، من غير هذا التعظيم يكون هناك استهانة، فلابد عليَّ أن أعظم الذنب.
ثانيًا: الصمت، ابن أبي الدنيا ألف لنا كتابًا كبيرًا فيما ورد عن سيدنا ﷺ في الصمت. يعني "قلة الكلام" ؛ فقلة الكلام تجعلني حكيم «إذا رأيتم الرجل قد أوتي صمتًا، فاعلموا أنه يلقن الحكمة». ربنا سبحانه يقول: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}؛ ولذلك يقول ﷺ : «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه». ويقول ﷺ: «طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس».
هذه هى الوسائل التي إذا ما تذكرتها أعانتني على ترك الغيبة، التفت لنفسك، تدبر حالك، أصمت، اعرف إن الكلمة تملكها حتى إذا ما نطقت بها فإنها تملكك، اعرف أنه « يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ ،لاَ تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ؛فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ؛ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِى بَيْتِهِ».
إذن لو الإنسان استعظم قضية الغيبة والنميمة والتزم قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} وعرف أن اللسان «فهل يكب الناس على النار إلا حصائد ألسنتهم». لن يستطيع أن يغتاب.
كان أحد مشايخنا يعمل الآتي: واحد يأتي يقول له: يا مولانا، ده فلان قال عليك كذا، -فيعتبر دي غيبة، نقل الكلام ونميمة، نميمة بينم-، فيقول له: طيب، أجلس هنا معي، هل قال عليَّ كذا، لا حول ولا قوة إلا بالله، ويرسل من ينادي على الشخص المتهم بالكلام، ويأتي يقول له: قال صحيح أنت قلت في حقي كذا كذا كذا؟ أخونا هذا يقول هذا، -فالراجل هذا يقع في ورطة وحرج ولا يفعلها مرة أخرى- .
فهذه الأمور كانت طبعًا بالنسبة لناس محرجة جدًّا، ولكنها مانعة من الفساد، وبتربي الإنسان على الصلاح.
كثرة الكلام، وإفشاء السر، قبول قول كل أحد، ينبغي علينا إننا نتخلص منه؛ ولذلك النبي ﷺ يقول: «كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع». يقول ﷺ: «إن من شرار الناس من اتقاه الناس لشره».أي الشخص الهجَّاء الذي يسب الناس.
إذن، علينا أن نتخلى عن الغيبة والنميمة، ونتحلى بالصمت.
كيف أتوب من هذه الغيبة والنميمة؟
وضع العلماء لذلك أمورًا : أولها : أن تذكره بخير. وتستغفر له، وتدعوا له. تقول وأنت في خلواتك، وأنت بينك وبين نفسك : اللهم اغفر لي واغفر لأخي الذي اغتبته ، يا رب سامحني إني أنا عملت هذا، واجعلها في ميزان حسناته يا رب.
ثانيها: حسب العلاقة بيني وبينه. إذا كانت العلاقة قوية جدًّا فممكن إني أنا أعتذر له، يقول تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} ففي كثير من الأحيان نأخذ بالعرف السائد، سيدنا النبي ﷺ كان يقول: «إن الله تعالى يأمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، وتعطي من حرمك». أنظر الجمال، يعني اعفي واصفح، والعفو والصفح عندما يبلغني شخص ويقول لي: أنا آسف. أنا اغتبتك، حقك عليَّ.
{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} يجب علينا فورًا أن نتخلص من الغيبة والنميمة، ونحن في عصر كثرت فيه الغيبة والنميمة، كثر فيه الكذب، كثرت فيه آفات اللسان، فنحن أحوج ما نحتاج إلى أن نتخلى عن هذه الصفات، كان من أفعال السلف الصالح في ظل هذا الخضم الذي نعيش فيه، كان أحدهم يقول: "اللهم إني قد تصدقت بِعِرْضِي على الناس".




المقالات ذات صله