آباء وأبناء في مرمى الأخلاق


نبدأ موضوعنا بقصة كان يحرص الآباء قديما والمعلمون على سردها لنا من باب الحذر من الكذب والخوف من مغبته، حيث كان فتى يسكن مع أهله قريبًا من البحيرة، واستأذن والدته في نزولها فأذنت له، لكنه فكر في إثارة الناس بأن يدعى أنه يغرق،

وبالفعل نزل وأخذ يصرخ أنه يغرق فأسرع الجميع لإنقاذه لكنه أسرع ضاحكا، وتكرر الفعل مرة أخرى وأسرع الناس لكنهم اكتشفوا أنه يكذب فغضبوا منه.

وفي مرة نزل ليسبح فجرفه التيار فأخذ يصرخ ويستغيث فلم يعره أحد أي اهتمام ظنا منه أنه يكذب كعادته، وبالفعل دخل الماء فمه وأشرف على الغرق إلا أن رجلا لاحظ ارتفاع الأمواج فأسرع إليه وأنقذه بعدما فقد الوعى، فلما أفاق وجد الجميع يقفون حوله واستشعر خطأ وخطر كذبه فاعتذر لهم وتعهد بعدم الكذب لما جلبه عليه من ضرر.

لكننا في هذا الزمن الذي غاب فيه المربي القدوة وانشغل الآباء في تحصيل لقيمات العيش وتوفيرها لأبنائهم صار حب الكذب والشهرة سبيل كثير من أبنائنا، وللأسف البعض يشجعهم آباؤهم وأمهاتهم غير مدركين لما أقدموا عليهم من تدمير أخلاقي لصغيرهم.

فرأينا من يدعى أنه مريض بالسرطان وأنه في أيام عمره الأخيرة، بل وجدنا أمه تقف بجواره مشجعة له فعلته، قبل أن يُكتشف كذبه ويحل ضيفا طويلا خلف قضبان السجن.

ورأينا أخرى تدعى الاستغاثة من بيت الرعب التي تعيش فيه ولا تضع اعتبارًا لمن يشاهدها من أطفال أن يصيبهم الفزع والجزع.

وآخر يشهر بنفسه وتجريح فتاة بأن يقف أسفل بيتها مع علمها وموافقتها لهذا الفعل دون إدراك لما يترتب عليه من تلويث للسمعه والقيل والقال ولا يجدان من يقول لهما هذا عيب، منذ متى ونحن نستعمل الأعراض للاستعراض، وندفن الأخلاق والعادات والتقاليد بتراب المشاركات! وغيرها وغيرها من الوقائع التي نشاهدها كل ساعة.. فهل هانت علينا أخلاقنا؟

إن عالم الشهرة الذي سلكه أبناؤئنا وبناتنا بالبعد عن التقاليد والعادات والأخلاق وتعاليم ديننا الحنيف نذير دمار وخراب لتراثنا وحضارتنا وحصننا الذي نتترس خلفه.

أثر مخيف

إن هذه التصرفات جاءت في مقتل في طمس كثير من أخلاقنا، فأصبحنا لا نفرق بين الكاذب والصادق، ولا بين المحتاج العفيف والمحتال، ولا بين صاحب الخلق القويم وصاحب الخلق السيئ، وأخشى أن يصدق فينا حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم – الذي رواه أبو هريرة: [سيَأتي علَى النَّاسِ سنواتٌ خدَّاعاتُ يصدَّقُ فيها الكاذِبُ ويُكَذَّبُ فيها الصَّادِقُ ويُؤتَمنُ فيها الخائنُ ويُخوَّنُ فيها الأمينُ وينطِقُ فيها الرُّوَيْبضةُ، قيلَ وما الرُّوَيْبضةُ؟ قالَ: الرَّجلُ التَّافِهُ في أمرِ العامَّةِ] (أخرجه ابن ماجه).

لقد ترتب على كذب هؤلاء أن أحجم الناس عن إطعام الفقراء والمحتاجين الفعلين لمجرد أنهم رأوا واكتشفوا أن كثيرا ممن يتسول ظهرت حقائقهم أن لديه كثير من الأموال والبيوت.

لقد ترتب على كذب هؤلاء أن أصبح كثير من بيوت الفقراء المتعففين لا يقترب منهم أحد ظننا منا أن الجميع يتكفلونهم بس بعض القيل والقال الكاذب.

إن الكذب الذي انتشر وسط أبنائنا وبناتنا لن يعود بضرره عليهم فحسب، بل سيعود على المجتمع كله، حتى لا يدرك الناس أيهما صادق وصحيح، وأيهما كاذب، وزد على ذلك:

يورث لصاحبه السمعة السيئة، فيفقد احترامه ومهابته بين الناس، ولا يصدقه أحدٌ أبداً حتى لو نطق بالصدق فيما بعد.

يتسبب في ضياع الوقت، وتبزير الجهد، ويصبح التمييز بين الصدق والكذب صعباً جداً.

يطمس الحقائق، ويضيع حقوق الناس، ويتسبب بالظلم لأشخاصٍ على غير وجه حق، بسبب قول الزور، أو الإدلاء بشهادة كاذبة.

يسبب موت القلب، وبلادة النفس والروح، فلا يستشعر الكذاب قرب الله تعالى منه أبداً.

يسبب إفساد المجتمع، وحدوث الكثير من المشاكل وعيوب بين الناس، والإفساد بينهم.

كيف النجاة؟

الكذب مفسدة للأفراد والمجتمعات، وخرقا في الأخلاق والسلوكيات، وإنقاصا من الشخصيات، ولذا لابد من تجنبه عن طريق العديد من الطرق:

أن يستعين بالله سبحانه وتعالى، ويلجأ إليه بنية صادقة ويدعوه أن يعينه في التخلص من هذا الداء الخطير.

أن يستشعر المسلم سوء هذا الفعل، وهو مكتوب عند الله سبحانه وتعالى من الكذابين.

أن يراقب الله سبحانه وتعالى، وأن يعلم أن ما من لفظ إلا وهو محسوب عليه، حيث قال تعالى في سورة [ق]: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).

الاعتراف بوجود مشكلة حتى تستطيع أن تضع لمشكلة الكذب علاج قويم.

ذكر نفسك بالفوضى التي يخلقها الكذب في حياتك.

حاول أن تكتشف الأسباب التي قد تدفعك للكذب فقد تكون الأسباب بسيطة تستطيع البعد عنها.

تدرب على قول الحقيقة واستشعر عظمة الله فيها، وتخيل الأضرار التي قد تنتج عن كذبتك، والأفراد الذين قد يسبب لهم كذبك في ضرر.

الثقة في النفس من أهم المعطيات الدافعة للصدق، فالشخص الضعيف هو من يكذب لينجو.

وأخيرا

صاحب الصادقين، وانفر من الكاذبين، لتجعل صحبتك الصحبة الصادقة في كل أمورها، فإن مخالطة الصادقين تهدي إلى الصدق في كل أمر، ومخالطة الكاذبين يهدي إلى الكذب والفجور في كل أمر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) رواه أبو داود.



مزيد من الصور




المقالات ذات صله