كيف نظم الاسلام العلاقة بين الاباء والابناء
العلاقة بين الآباء والأبناء من أهمِّ النعم التي وهبها الله سبحانه وتعالى للإنسان هي الأبناء، وقد ورد ذلك متَّضحًا في قوله تعالى: {المالُ وَالبَنونَ زينَةُ الحَياةِ الدُّنيا وَالباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوابًا وَخَيرٌ أَمَلّا} [الكهف: 46]، فالذرِّية الصالحة هي أجمل ما يمنُّ به الله تعالى على عباده،
وفي ما يأتي عدد من الأسس التي تقوم عليها العلاقة بين الآباء والأبناء
[١]: علاقة تقوم على ربط الأصل بالفرع، وهي من أعظم العلاقات البشرية لما فيها من تقارب بين الطرفين كونها نشأت عن اشتقاق فرع من أصل ولم تنشأ عن التقاء طرف بآخر. علاقة تستوجب البرَّ من الأبناء تجاه آبائهم وضرورة الإحسان إليهم وتجنُّب عقوقهم.
علاقة تستوجب من الآباء الإحسان في تربية أبنائهم ورعايتهم حقَّ الرعاية، وحفظ حقوقهم وعدم تضييعها. كيف نظّم الإسلام العلاقة بين الآباء والأبناء؟ تنقسم العلاقة بين الآباء والأبناء إلى عدَّة أقسام، وفي ما يأتي توضيح للتنظيم الإسلامي في هذه العلاقة
[٢]: مسؤولية الآباء تجاه الأبناء عندما يرزق الله تعالى الإنسان بالأبناء فإنَّه مُلزم بتربيتهم التربية الصالحة، ورعايتهم حقَّ الرعاية، وتقديم الأفضل لهم في حدود الإمكان والشرع، فالتربية الصالحة والتنشئة الحسنة للأبناء تعود على الوالدين بالأجر والمثوبة من الله تعالى،
والعكس صحيح أيضًا فإهمال الأب لأبنائه وعدم إعطائهم الحقَّ في التربية يعود عليه بالإثم واستحقاق العقاب نظرًا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]،
فالأبناء يُعدُّون من الأهل، وجدير بالأب أن يقي أبناءه دخول النار وإبعادهم عن الانحراف قدر الإمكان لتجنُّب الدخول في النار، وطالما هم تحت رعايته فحريٌّ به حمايتهم وتقويمهم للطريق الصحيح، فهم أمانة في عنقه يجب عليه حفظها وعدم خيانتها،
ومتمثلة هذه الرعاية بالتربية الحسنة والتعليم وتنشئتهم تنشئة إسلامية صالحة لِيسموا بالمجتمع ويُقدِّموا له ثمار التربية الصالحة. أهمية الحوار بين الآباء والأبناء الحوار بشكلٍ عام له أهمية في الدين الإسلامي، وقد ذُكرت نماذج للحوار في القرآن الكريم في عدَّة أوجه،
وهو أحد المناهج التربوية المتَّبعة في الدين الإسلامي، لما فيه من تيسير الطريق للوصول إلى الإقناع وبيان الحقيقة، وتعويد النفوس على تقبُّل الرأي الآخر واحترام الرأي الناقد، أما عن العلاقة بين الآباء والأبناء فالحوار عنصر أساسي لِتقوم العلاقة بينهم بشكلها الصحيح، فضلًا عن وجود عدد من الفوائد للحوار في ما بينهم،
وفي ما يأتي جزء من هذه الفوائد: معرفة الأبناء ما عليهم من حقوق وواجبات تجاه آبائهم وأنفسهم ومجتمعهم. منح الأبناء فرصة التعبير عن الذات وتوضيح آرائهم بأسلوب مهذَّب ومقنع. تقريب وجهات النظر المختلفة بين الآباء وأبنائهم، فالاختلاف في الرأي أمر وارد في ما بينهم. تمكين الروابط الأسرية وتعزيزها، لما في الحوار من أداة لتصحيح الخطأ والإقناع بأسلوب محترم.
بناء الثقة بالنفس لدى الأبناء وإعطائهم فرصة للتعبير والبعد عن كبت مشاعرهم واضطهاد آرائهم. زراعة الصدق والصراحة في نفوس الأبناء واعتيادهم على الإفصاح عما بداخلهم دون خجل أو حرج. حقُّ الآباء على الأبناء ثبت في كتاب الله وسنة نبيه عدَّة مواضع تحثُّ على وجوب البرِّ بالآباء وآداء حقوقهم، فحقُّ الوالدين يندرج في المرتبة الثانية بعد آداء حق الله تعالى،
وله شأنٌ عظيم يتمثَّل بطاعتهما ومعاملتهما المعاملة الحسنة وشكرهما على ما قدَّماه للأبناء، وقد قرن الله سبحانه وتعالى رضاه برضا الوالدين، وورد ذلك في قوله تعالى: {وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا}
[الإسراء: 23]، وقد قدَّم الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم برَّ الوالدين على الجهاد في سبيل الله، فبرُّهما يُعدُّ من أعظم أنواع الجهاد، ويأتي هذا الاهتمام بالآباء نظرًا لما قدَّماه لأبنائهم من تربية حسنة، فحقٌّ على الأبناء أن يبرُّوا آباءهم في عدَّة صور ومنها ما يأتي
[٣]: تقديم الرعاية لهم والإنفاق عليهم. خدمتهم وتفقُّد أحوالهم باستمرار. التأدُّب في التحدُّث معهم وإدخال السرور إلى قلبهم. برُّهما بعد وفاتهما بالدعاء لهما والتصدُّق عن روحهما. هل يعاقب الله الآباء في أبنائهم؟ لم يرد نصٌّ إسلامي يُفيد بأنَّ الأبناء يتحمَّلون ذنب أبيهم تجاه أحدٍ ما ويُعاقبون،
بل على العكس في ديننا الإسلامي الحنيف لا يحتمل أحد ذنب أحدٍ آخر، لما ورد في الآية الكريمة قوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ أُخرى} [الأنعام: 164]،
إلا أنَّه من الممكن أن يبتلي الله الآباء في أبنائهم بسبب ظلمٍ اقترفوه أو فسادٍ قاموا به، لكنَّه لا يُعدُّ عقوبة بحقِّهم بل من باب الاختبار لهم، وفي حال شعر أو ظنَّ الأبناء أنَّ أباهم اقترف ذنبًا فهذا الظن لا يُرتِّب عليهم شيئًا كونه ظنًّا وليس بيقين، أما في حال تيقُّنهم من وجود مظلمة مالية ارتكبها أبوهم بحقِّ أحدٍ ما ولكنَّهم لا يعرفونه فالأصل إخراج صدقة بمقدار المبلغ المقدَّر في المظلمة،
وإن كانت المظلمة غير مالية فليس عليهم شيء تجاه أحدٍ، والأفضل الدعاء لأبيهم بالرحمة والعفو والمغفرة[٤]. فضل تربية البنات والإحسان إليهن في الإسلام إنَّ للإحسان للبنات وتربيتهنَّ التربية الحسنة لوجه الله تعالى فضلٌ عظيم، وقد خصَّ الرسول الكريم والد البنات بدخول الجنة وإجارته من النار،
ويتَّضح ذلك بقول الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: (مَن كانَ لَهُ ثلاثُ بَناتٍ فصبرَ عليهنَّ، وأطعمَهُنَّ، وسقاهنَّ، وَكَساهنَّ مِن جِدَتِهِ كنَّ لَهُ حجابًا منَ النَّارِ يومَ القيامَةِ) [صحيح ابن ماجه| خلاصة حكم المحدث :صحيح]، وكذلك الحال في الإحسان إلى العمَّات أو الخالات أو الأخوات، فالمُحسِن لهنَّ بالمأكل والمشرب والمسكن إن كنَّ ذوات حاجة له من الأجر كأجر والد البنات تُهيَّأ له أسباب دخول الجنة ويُزاح عن النار[٥].