الصحابة الكرام

كان الصحابة الكرام الجيل المميز الذي فهم حقيقة الدين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطبقه أحسن تطبيق، ولقد مدحهم الله سبحانه وتعالى، فقال وقوله تعالى : {لِلْفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر :8]

وقوله سبحانه : {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال :74]

وقوله تعالى : {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح :18]

وقوله سبحانه : {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [التوبة :100]

وقوله تعالى : {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج :78]

وقوله سبحانه وتعالى : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ المُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الفَاسِقُونَ} [آل عمران :110].

الله عليه وسلم، كذلك وردت الأحاديث النبوية المصرحة بذلك الفضل، والمحذرة من انتقاصهم رضي الله عنهم، ومن ذلك ما ثبت عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم انفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» [رواه أحمد 3/63].

وقال صلى الله عليه وسلم : «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته» [رواه البخاري 2/938، ومسلم 4/1964].

وعن أبي بردة، عن أبيه، قال : «صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قلنا : لو جلسنا حتى نصلى معه العشاء. قال : فجلسنا، فخرج علينا، فقال : ما زلتم ههنا ؟ قلنا : يا رسول الله، صلينا معك المغرب، ثم قلنا نجلس حتى نصلى معك العشاء. قال : أحسنتم أو أصبتم. قال : فرفع رأسه إلى السماء -وكان كثيرًا ما يرفع رأسه إلى السماء- فقال : النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون» [رواه مسلم 4/129].

وعن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله، الله، في أصحابي، الله، الله، في أصحابي، لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم، فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم، فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم، فقد آذاني، ومن آذاني، فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه» [رواه الترمذي 5/696، وأحمد في مسنده 4/87].

وقال صلى الله عليه وسلم : «لعن الله من سب أصحابي» [الطبراني في الأوسط 7/115، والكبير 12/142].

فتكونت من مجموع تلك الآيات والأحاديث عقيدة راسخة لدى السلف الصالح في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدت بذلك أجوبتهم، فجاء رجل إلى عبد الله بن المبارك وسأله أمعاوية أفضل أو عمر بن عبد العزيز ؟ فقال : «لتراب في منخري معاوية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز» [رواه ابن عساكر 59/208].

وجاء رجل إلى الإمام أبي زرعة الرازي -رحمه الله- فقال : يا أبا زرعة أنا أبغض معاوية . قال : لِمَ ؟ قال : لأنه قاتَل عليا . فقال أبو زرعة : إن ربَّ معاوية ربٌّ رحيم وخصمَ معاوية خصمٌ كريم فما دخولك أنت بينهما رضي الله عنهم أجمعين» [رواه ابن عساكر 59/141، فتح الباري 13/86، عمدة القاري 24/215].

وقال ابن الصلاح رحمه الله تعالى : «إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة, ومَن لابس الفتن منهم فكذلك، بإجماع العلماء الذين يُعتد بهم في الإجماع» [مقدمة ابن الصلاح ص 428].

وفي كتب العقائد تقرر عند أهل السنة حبهم، والتبرأ من بغضهم، يقول الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى : «ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نُفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم، وبغير الحق يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير ، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان» [عقيدة الطحاوي مع شرحها 2/689].

فهذا كان منهج السلف الصالح الذين يقرؤون فيهمون، ويعالجون المواضيع بحكمة بالغة، لا يخرجون عن احترام الكبير، ولا يقبلون الخطأ بل ينبهون إليه، وبعض الناس يعتقد أن هدم القداسة سوف يؤدي إلى الخير، وهم مخطئون، فلقد خالف الأئمة الكبار كالشافعي ومالك وأمثالهما الصحابة في آرائهم الفقهية، وعبروا بتعبير مؤدب معهم عندما خالفوهم، فترى أحدهم يقول : أحدهم يقول ذلك مبلغ علم سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه، فيسوده، ويترضى عنه في نفس الوقت الذي يخالف رأيه، هكذا يكون الأدب، ونخشى على الناس مغبة سوء الأدب.




المقالات ذات صله