الاختلاف الطبقي في فهم الدين وممارستة :
تختلف الطبقات في فهمها للدين وتفسيرها له من مواقعها الخاصة وكيفية ممارسته في الحياة اليومية ، فنجد أن التعبد لدى الفلاحين وفقراء المدن يتركز على الأضرحة والأولياء وشخص الإنسان الصالح بدلا من المؤسسة الدينية ، هذا على عكس ما يميل إليه المثقفون ورجال الأعمال والحكام وشرائح الطبقة الوسطى الذين يميلون للدين الرسمي ، ثم إن للبدو ميولهم المتميزة من كل من الحضر وأهل الفلاحة وليس ماركس فحسب الذي يقول أن السلوك الديني يحمل طابع الطبقات التي ينشأ فيها ، فهذا ابن خلدون أيضا يقول بأن اختلاف الأجيال في أحوالهم هو باختلاف نحلتهم من المعاش ، لذلك تختلف جوانب التدين كافة من طبقة إلى طبقة أكان ذلك بالنسبة للمعتقدات والطقوس أم التعبير عن المشاعر الدينية ، إن هناك فروقا بين الطبقات الفقيرة والغنية والضعيفة والقوية في التعبير عن مشاعرها الدينية ، وكثيرا ما تسود بين الطبقات الفقيرة المحرومة مشاعر الحزن والغضب والتمرد والتعلق بشخصيات تاريخية تجسد أحلامها وأمانيها ، فيما تسود بين طبقة الأغنياء المرفهة مشاعر التمسك بالشرائع السائدة التي تمليها المؤسسة الدينية ، ويكون التفسير لبعض الآيات الدينية من موقع الفقراء مختلفا عن تفسيرها من موقع الأغنياء.
كذلك تختلف الطوائف من حيث أساليب حياتها ومدى قوتها ونفوذها وأعمالها وثرواتها ، من هذا أن الشيعة تنتشر في الريف وتعمل في الفلاحة في لبنان والعراق ، وكذلك الفرق المتفرعة عنها كالعلويين والدروز ، بينما تنتشر السنة في المدن وتميل للعمل في التجارة والإدارة ، لذلك يكون التفاوت في القوة والثروة ، ولم يكن من الغريب أن يتم تهميش الشيعة لزمن طويل وأن تكون غالبيتهم من الطبقات الفقيرة المحرومة ، وأن تتسع بينهم الفجوة بين الفقراء والأغنياء في نوع الاستقطاب الطبقي حتى تكاد الطبقة الوسطى تكون شبه معدومة ، في هذا الإطار نردد مقولتنا أنه بتثبيت سيطرة التجار والبدو على المؤسسة الإسلامية ، كان أن مال الفلاحون إلى الشيعة والأقليات الطائفية الأخرى ، وقد استمر الفلاحون في التمسك بالتقاليد الشيعية حتى بعد تحولهم إلى السنة كما يبدو من المعتقدات والممارسات الدينية في المجتمع المصري حتى داخل أحياء المدن ، وكان أن طبعت التجارة السنة بطابعها الخاص في كثير من المجالات الثقافية .