رمضان والدعاء
الآيات التي تحدثت عن الصيام في سورة البقرة بدأت بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة : 183].
ثم تتالت الآيات في الحديث عن الصيام وأحكامه، لكن كان هناك آية ضمن هذا المجموع من الآيات تحدثت عن أمر آخر وهي قول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة : 186].
فكأن الله جل جلاله يذكرنا بقربه سبحانه تعالى وخاصة في رمضان وخاصة أثناء الصيام، قال الإمام ابن كثير رحمه الله (وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة بل وعند كل فطر، جاء في الحديث الصحيح (للصائم عند فطره دعوة لا ترد).
قال الإمام القرطبي رحمه الله (وإذا سألك) المعنى وإذا سألوك عن المعبود فأخبرهم أنه قريب يثيب على الطاعة ويجيب الداعي ويعلم ما يفعله العبد من صوم وصلاة وغير ذلك.
هذه الآية العظيمة وكل كلام الله كذلك تذكرنا وتؤكد لنا وتثبت لنا أن ربنا جل جلاله قريب مجيب يجيب دعوة الداع إذا دعاه، لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، أو قال: لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشرف الناس على واد، فرفعوا أصواتهم بالتكبير: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم).
وأنا خلف دابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعني وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال لي: (يا عبد الله بن قيس). قلت: لبيك يا رسول الله، قال: (ألا أدلك على كلمة من كنز من كنوز الجنة). قلت: بلى يا رسول الله، فداك أبي وأمي، قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله). رواه البخاري ومسلم.
(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) قال الشيخ السعدي رحمه الله: لأنه تعالى الرقيب الشهيد المطلع على السر وأخفى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فهو قريب أيضا من داعية بالإجابة ولهذا قال (أجيب دعوة الداع إذا دعان) والدعاء نوعان دعاء عبادة ودعاء مسألة والقرب نوعان قرب بعلمه من كل خلقه وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق فمن دعا ربه بقلب حاضر ودعاء مشروع ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء كأكل الحرام ونحوه فإن الله قد وعده بالإجابة وخصوصا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية والإيمان به الموجب للاستجابة فلهذا قال {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} أي يحصل لهم الرشد الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة.
ويزول عنهم الغي المنافي للإيمان والأعمال الصالحة ولأن الإيمان بالله والاستجابة لأمره سبب لحصول العلم كما قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا}، الدعاء عبادة عظيمة وقد صح عن رسول الله عليه وسلم أنه قال (الدعاء هو العبادة).
وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى (إن الله يقول: أنا عن ظن عبدي بي. وأنا معه إذا دعاني) رواه مسلم.
وجاء في الحديث الحسن عن سلمان الفارسي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن ربكم حيي كريم، يستحي أن يبسط العبد يديه إليه فيردهما صفرا).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الأخرى وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها قالوا إذا نكثر قال الله أكثر.
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما على ظهر الأرض من رجل مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة إلا أتاه الله إياها أو كف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم) رواه الترمذي بسند صحيح.
ثم إن للدعاء شروط وآداب، قال ابن عطاء رحمه الله: للدعاء أركان وأجنحة وأسباب وأوقات فان وافق أركانه قوي وان وافق أجنحته طار في السماء وان وافق أوقاته وفي وان وافق أسبابه أنجح.
فأركانه حضور القلب والرقة والاستكانة والخشوع وتعلق القلب بالله وقطعه بالأسباب وأجنحته الصدق ومواقيته الاستخارة وأسبابه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى {فاذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداعي اذا دعان} وقال الله تعالى {بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء}.