من هو الصحابي الذي قتله الجن
الصَّحابة رضي الله عنهم بعث الله تعالى النَّبيَّ محمّداً -عليه الصَّلاة والسَّلام- برسالة الإسلام الخاتمة للرّسائل السماويَّة والشرائع الإلهيّة كلِّها، فكان بذلك -عليه الصَّلاة والسَّلام- خاتم الأنبياء والمُرسَلين، وجاء الأمر الإلهيّ بتكليف النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- بالدَّعوة بدءاً بقومه، كما جاء في قول الله تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)،[١] ثمَّ كان الأمر بتوسيع نطاق الدَّعوة والجَهر بها، كما جاء في قوله تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ).[٢] وكحال سائر الأنبياء والمُرسَلين -عليهم السَّلام- لاقى النَّبيّ من قومه من الرّفض والأذى الكثير، لكنَّ فئةً خيِّرةً استجابت لدعوته وآمنت برسالته، فنصرَته، وصحِبته، ووقفت إلى جانبه حتّى امتدَّت الدّعوة وانتشرت، وقوِي الإسلام بهذه الفئة وانتصر، وكبُرت هذه الفئة، وزاد عددها بعد الهجرة إلى المدينة المُنوَّرة، لينضوي تحتها قسمان، هما: المهاجرون، والأنصار، هذه الفئة التي أخبر النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّها خير القرون، كما رُوِي عنه قوله: (خيرُ القرونِ قَرْنِي، ثم الذين يَلُونَهم، ثمّ الذين يلُونَهم)،[٣] هي الصَّحابة الكِرام رضي الله عنهم، وقد جاء مدح الله تعالى لهم وثناؤه عليهم في مواطِنَ كثيرة في القرآن الكريم، ومن ذلك قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).[٤] والصَّحابيّ هو من لقِي النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- مؤمناً به، ومات على الإسلام، والرّاجح عند العلماء أنَّه من عاصر زمن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- طالت المُدَّة أو قصُرت، وسواء لقيه أو لم يلقَه، روى عنه أو لم يروِ عنه، شارك في الغزوات معه أو لم يشارك.،[٥] ولا يخفى ما للصّحابة -رضي الله عنهم- من فضلٍ ومنزلةٍ عظيمةٍ؛ فالعدالة ثابتةٌ لهم جميعاً، وجهدهم في خدمة الدّين وإعلاء كلمته ونشره عظيم، يُتلمَّس أثره حتّى هذا الزَّمن، وفيما يأتي تعريف بأحد هؤلاء الصّحابة، وما أُورِد حول وفاته من رواياتٍ، ومدى صحّة هذه الرّوايات وثبوتها. الصَّحابي الذي قتله الجنُّ ورد في عددٍ من الرّوايات أنَّ أحد الصَّحابة -رضي الله عنهم- توفِّي مقتولاً من الجِنّ، وهذا الصحابيّ هو سعد بن عُبادة رضي الله عنه؛ فقد جاء في الرّوايات في بعض كُتُب تاريخ الصّحابة وتراجمهم، أنَّ سعداً بن عبادة -رضي الله عنه- وُجِدَ في مُغتَسَله ميتاً، وقد اخضرّ جسده، وجاء في بعض الرّوايات أنَّه بال في جحر، والجحور مساكن الجِنِّ، فقتلته الجِنُّ، وفي تتبُّع علماء الحديث لهذه الروايات، تبيَّن أنَّها لم تصحَّ، رغم ورود هذا الخبر في عددٍ من الرّوايات وتكرارها في عددٍ من المراجع، وهذا ما جعل القصَّة تُشتَهر، ويشيع أنَّ الجِنّ قتلت سعداً بن عبادة رضي الله عنه، لكنَّ تتبُّع أسانيد هذه الأخبار والرِّوايات أثبت عدم صِحّتها، وضعف الأسانيد التي أوردتها.[٦] سعد بن عبادة سعد بن عبادة هو الصَّحابيّ الجليل سعد بن عبادة بن دليم الخزرجيّ الأنصاريّ، وكنيته أبو ثابت، وقيل: أبو قيس، شهِد -رضي الله عنه- بيعة العقبة وكان أحد نُقبائها، وهو زعيمٌ لقبيلة الخزرج من كُبرى قبائل المدينة المنوّرة،[٧] وكان معروفاً بجوده وسخائه وكثرة إطعامه للطّعام، وكان من وُجَهاء الأنصار، وحاملاً لواءَهم، وصاحب رايتهم، وقد استشاره النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- هو وسعد بن معاذ -رضي الله عنهما- بصفتِهما سادة الأنصار، استشارهما في غزوة الخندق بإعطاء قبيلة غطفان ثُلث ثمار المدينة المنوّرة حتّى يعودوا عن تحالفهم وتحزُّبهم مع كفار قريش ضدَّ المسلمين، فأجاباه: إنّه إن كان يأمرهم بذلك أمراً فسيفعلون، وإن كان يستشيرهم فلن يعطوا ما كان حقاً لهم وللمسلمين لأعدائهم، وهم -أي المسلمون- في قوّةٍ ومَنَعةٍ بالإسلام وأعزَّت به، ففرِح النَّبيّ برأيهم وسُرَّ له.[٨] ولم يكن سعد بن عبادة -رضي الله عنه- مُكثِراً لرواية الحديث، فمجموع ما رواه عن النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- من الأحاديث هو عشرون بالمُكرَّر،[٩]، ومن فضائل سعد بن عبادة -رضي الله عنه- فضلاً عن كرمِه وسخائِه وما قدَّمه للإسلام، دعوةُ النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- له ولآل بيته، فقد روى قيس بن سعد بن عبادة -رضي الله عنهما- قوله: (زارَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في منزلِنا فقالَ: السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللَّهِ، قال: فردَّ سعدٌ ردّاً خفيّاً، قال قيسٌ: فقُلتُ: ألا تأذَن لِرَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؟ فقالَ: ذَرْهُ يُكثِرْ علَينا مِن السَّلامِ، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللَّهِ، فردَّ سَعدٌ ردّاً خفيّاً، ثُمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللَّهِ، ثُمَّ رجَعَ رسولُ اللَّهِ، واتَّبعَهُ سعدٌ فقالَ: يا رسولَ اللهِ إنِّي كنتُ أسمَعُ تسليمَكَ وأردُّ عليكَ ردّاً خفيّاً؛ لتُكثِرَ علَينا منَ السَّلامِ، قالَ: فانصرفَ معَهُ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وأمرَ له سَعدٌ بغُسلٍ فاغتسَلَ، ثم ناوَلَهُ مِلحفَةً مصبوغَةً بزعفرانٍ أو وَرسٍ فاشتَملَ بِها، ثمّ رفَعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يدَيهِ وهو يَقولُ: (اللهُمَّ اجعَلْ صلَواتِكَ ورَحمتَكَ على آلِ سعد بنِ عُبادَةَ)، قال: ثُمَّ أصابَ رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- مِن الطَّعامِ، فلمَّا أرادَ الانصِرافَ قرَّبَ لهُ سعدٌ حِماراً قد وطأ عليهِ بقَطيفَةٍ، فركِبَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال سعدٌ: يا قيسُ اصحَب رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، قال قيسٌ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: اركَب، فأبَيتُ، ثُمَّ قالَ: إمَّا أن تركَبَ وإمَّا أن تنصَرِفَ، فانصرَفتُ).[١٠]