نوح عليه السلام
هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ، وهو إدريس بن يرد بن مهلائيل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام، ولد نوحٌ -عليه السّلام- بعد وفاة آدم -عليه السّلام-
بمئةٍ وستٍّ وعشرين سنةٍ، وكان بينه وبين آدم -عليه السلّام- عشرة قرون، كلّهم على الإسلام، ثم بدأ الناس بالانحراف عن الحقّ؛ فاتبعوا الشيطان وعبدوا الطواغيت والأصنام؛ ولذلك بعث الله تعالى نوحاً
-عليه السّلام- فكان أول رسولٍ للبشر، وقد اختلف في عمره حين بعثه الله تعالى، فقيل كان عمره خمسين سنةً، وقيل كان يبلغ ثلاثمئةٍ وخمسين عاماً، وقيل أربعمئةٍ وثمانين، ومن الجدير بالذكر أنّ الله تعالى ذكر قصّة نوحٍ
-عليه السّلام- مع قومه في عددٍ من السور، منها: المؤمنون، والشعراء، ونوح، والعنكبوت، والصافات، والأنبياء، وهود، ويونس، والأعراف.[١] دعوة نوحٍ عليه السّلام بعث الله تعالى نوحاً -عليه السّلام
- بالرسالة إلى قومه بعد أن انحرفوا عن الطريق الصحيح، وعبدوا الأصنام من دون الله، وكان وراء ذلك الشيطان الذي خدعهم وزيّن لهم عبادة الأصنام، فاتبعوا خطواته، وكانت البداية عندما مات رجالٌ صالحون من القوم وكانوا ذوي مكانةٍ عند الناس، فأخذ القوم يزورون قبورهم ويذكرون محاسنهم،
فأتاهم الشيطان بثوب الناصح، وأشار عليهم بأن يصنعوا لهم صوراً، ففعلوا ذلك، وبعد ذهاب جيلٍ وقدوم جيلٍ آخر، وسوس لهم الشيطان؛ فاستبدلوا الصور بالتماثيل، ثمّ استدرج إبليس الذين من بعدهم فعبدوا تلك الأصنام، وثبتوا وأصروا على الشرك، كما قال تعالى عن قوم نوحٍ:
(وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا)،[٢] وهكذا استطاع الشيطان تغيير عقيدة الناس بشكلٍ تدريجيٍّ؛ لأنّه يعلم أن العقائد لا يمكن أن تتغير إلا بالتدريج،
وبعد أن استفحل الكفر في القوم أرسل الله تعالى نوحاً عليه السّلام؛ لينقذ الناس من ظلام الشرك والكفر، وتجدر الإشارة إلى أن دعوة نوح -عليه السّلام- لقومه مرت بمراحل عديدةٍ، وفيما يأتي بيانٌ لتلك المراحل:[٣] الدعوة إلى التوحيد: بدأ نوحٌ -عليه السّلام- مهمّته بدعوة قومه إلى توحيد الله تعالى،
ونبذ الشرك، كما قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)،[٤] ولكنّ الكفر كان مستفحلاً في قلوب القوم، فقد كانوا يعبدون عدّة آلهةٍ وقد وجدوا آبائهم وأجدادهم على ذلك، بل كان الرجل منهم يوصي ابنه بعبادة الأصنام وعدم التخلي عنها، كما قال الرازي:
(وكان الرجل منهم ينطلق بابنه إليه، ويقول: احذر هذا؛ فإنّه كذّاب، وإنّ أبي أوصاني بمثل هذه الوصية، فيمت الكبير وينشأ الصغير على ذلك)، وقد ذكر القرآن الكريم دعاء نوحٍ عليه السّلام، حيث قال تعالى على لسانه: (إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا).
[٥] ردّ الملأ ومواجهتهم: بعد أن دعا نوحٌ -عليه السّلام- قومه إلى التوحيد، قام الملأ من القوم واتهموه باتهاماتٍ باطلةٍ، ولفهم سبب عداء الملأ للرسل والأنبياء، لا بُدّ من فهم طبيعتهم؛
فالملأ هم السادة والكبراء، وعِليَة القوم الذين يتصدّرون المجالس، ويهاب الناس مكانتهم، ويرجع السبب في عدائهم للأنبياء إلى أنّهم أصحاب مصالح، وقد تتأثر مصالحهم الشخصيّة بصلاح الناس،
ولذلك اتّهموا نوحاً -عليه السّلام- بالضلال، ثمّ اتّهموه بالجنون، كما قال تعالى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ)،[٦] ثمّ سخروا منه، وقام الملأ بانتقاد نوحٍ عليه السّلام؛
لأنّ أتباعه من الفقراء والعوام وأصحاب الحِرف، واتّهموه بالكذب، كما في قوله تعالى: (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ)،
[٧] فكان ردّ نوحٍ -عليه السّلام- على اتّهامات الملأ وشبهاتهم، رداً يُبهر العقول ويأسر القلوب، كما قال الله تعالى على لسان نوحٍ: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ* وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۚ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ إِنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ*
وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)،[٨] فكان رد نوحٍ -عليه السّلام- على شبهة اتباع الأراذل له؛ بأنّه لا يسأل الناس مالاً على دعوته، وأنّه لن يطرد الفقراء إرضاءً للأغنياء،
وأمّا شبهة أنّه بشرٌ؛ فقد ردّ عليها بأنّ الله تعالى أيّده بالنبوّة والرحمة، ولكنّ عمى البصيرة الذي هم فيه أدى إلى عدم تمييزهم الحقّ من الباطل، والتباس الحقّ عليهم. استخدام الأساليب المتنوعة في الدعوة:
بعد أن ردّ نوحٌ -عليه السّلام- على شبهات الملأ، أخذ يدعو قومه بأساليب عديدةٍ، فدعاهم سراً وجهراً، وفي الليل والنهار، وبيّن لهم أدلة قدرة الله عزّ وجلّ، بالإضافة إلى ترغيبهم بالطاعة وبيان عظم أجرها في الدنيا والآخرة،
ومن ثمّ توبيخهم بعد طول الجدال والحوار، كما قال تعالى على لسان نوحٍ: (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)،
[٩] ولكنّ قوم نوحٍ لم يستجيبوا وأصروا على كفرهم، وبعد ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً من الدعوة إلى الله، دعا نوحٌ ربّه؛ لينتقم من القوم الكافرين. عاقبة قوم نوح بعدما دعا نوحٌ -عليه السّلام- قومه ألف سنة إلا قليلاً،
وبذل كلّ جهده في دعوتهم إلى التوحيد، ولم يستجيبوا له وأصروا على كفرهم وعنادهم، وبعد أن هدّدوه ومن معه بالقتل، دعا الله تعالى بأن يهلكهم، كما ورد من دعائه في سورة نوحٍ:
(وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا)،[١٠] فاستجاب الله تعالى دعاء نوحٍ عليه السّلام، وقدّر لقوم نوحٍ الهلاك غرقاً، وقد أمر الله تعالى نبيه -عليه السلّام
- بصنع سفينةٍ؛ لينجو بها هو ومن آمن معه من الغرق، وبعد أن أتمّ نوحٌ ومن معه من المؤمنين صنع السفينة، واقترب موعد هلاك الظالمين، أمر الله تعالى نوحاً -عليه السّلام- بأخذ زوجين ذكرٍ وأنثى من كل الحيوانات حتى يبقى نسلها ولا تنقرض، ولمّا جاء موعد هلاك الظالمين، صعد نوحٌ
-عليه السّلام- إلى السفينة وتبعه أهله ومن آمن معه، إلّا ابنه وإحدى زوجاته لم يصعدوا معه؛ فكانوا من الهالكين، ثمّ أمر الله تعالى الأرض فتفجّرت منها عيون الماء، وأمر السماء فانهمرت الأمطار؛ فأتى الطوفان على الأرض وأهلك الله تعالى قوم نوح، وأنجى نبيه والمؤمنين في السفينة.[١١]