كيف خلق آدم عليه السلام
لقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عن كيفية خلقه لآدم عليه السّلام، وإنّ خلاصة ما تضمّنته الآيات هو أنّ الله سبحانه وتعالى قد خلق آدم عليه السّلام من تراب، ثمّ صيّره طيناً،
ثمّ قام سبحانه وتعالى بتصوير كلّ ذلك بيده سبحانه وتعالى، قال تعالى:" قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي "، صّ/75. ولقد جاءت الكثير من الأحاديث لتبيّن كيفيّة خلق الله عزّ وجلّ لآدم، ومنها ما هو صحيح، ومنها ما هو ضعيف، فقد روى أحمد في المسند عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال
" إنّ الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسّهل والحزن وبين ذلك "،
رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، وصحّحه الألباني رحمه الله. وقد روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه، أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" لمّا صوّر الله آدم عليه السّلام في الجنّة، تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو،
فلما رآه أجوف عرف أنّه خلق خلقاً لا يتمالك "، وقد روى البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً "، وبعد أن خلق الله سبحانه وتعالى جسد آدم بهذا الشّكل، وسوّاه ونفخ فيه الرّوح، وذلك كما قال سبحانه وتعالى:
" فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ "، الحجر/29. وبعد أن خلق الله سبحانه وتعالى آدم عليه السّلام خلق منه حواء، كما قال سبحانه وتعالى:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا "، النساء/1، وجاءت السنّة النّبوية لتبيّن شيئاً من هذا الخلق، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم:" استوصوا بالنّساء، فإنّ المرأة خلقت من ضلع، وإنّ أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيّمه كسرته،
وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنّساء "، رواه البخاري، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في قوله:" خلقت من ضلع، قيل: فيه إشارة إلى أنّ حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر، وقيل: من ضلعه القصير ". (1) عمر آدم عليه السلام إنّ عمر سيّدنا آدم عليه السّلام هو ما ذكر في الحديث:
" إنّ الله عزّ وجلّ لما خلق آدم مسح ظهره، فأخرج منه ما هو من ذراري إلى يوم القيامة، فجعل يعرض ذرّيته عليه فرأى فيهم رجلاً يزهر، فقال: أي ربّ من هذا؟ قال: هذا ابنك داود، قال: أي ربّ كم عمره؟ قال: ستون عاماً، قال ربّ: زد في عمره. قال:
لا، إلا أن أزيده من عمرك، وكان عمر آدم ألف عام. فزاده أربعين عاماً، فكتب الله عزّ وجل عليه بذلك كتاباً وأشهد عليه الملائكة، فلما احتضر آدم وأتته الملائكة لتقبضه قال: إنّه قد بقي من عمري أربعون عاماً، فقيل إنّك قد وهبتها لابنك داود قال:
ما فعلت، وأبرز الله عزّ وجلّ عليه الكتاب وشهدت عليه الملائكة "، رواه أحمد واللفظ له عن ابن عباس والترمذي، وصحّحه عن أبي هريرة، ورواه ابن خزيمة وابن حبّان والحاكم، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وفي رواية لأحمد وابن سعد في الطبقات فيها ضعف كما قال ابن كثير:" فأتمّها الله لداود مائة، وأتمّها لآدم ألف سنة ".
(2) المستفاد من قصة آدم عليه السلام هناك مجموعة من العبر المستفادة من قصة سيّدنا آدم عليه السّلام، ومنها: (3) أنّ آدم عليه السّلام هو أبو البشر، وهذا ما أجمعت عليه جميع الدّيانات السّماوية، حيث كان آدم يعيش في الجنّة، لكنّه عندما استجاب لغواية إبليس وإغرائه، أُخرج من الجنّة إلى الأرض، وتوالدت منه ومن زوجه البشريّة،
وذلك كما قال سبحانه وتعالى:" يا أيها النّاس اتقوا ربّكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً "، النساء/1. أنّ آدم عليه السّلام أخطأ عندما أكل من الشّجرة التي أمره الله سبحانه وتعالى بأن لا يقترب منها، ولكنّ هذا الخطأ لم يكن مقصوداً منه، بل كان دليلاً على الضّعف والنّسيان، كما قال سبحانه وتعالى:
" فنسي ولم نجد له عزماً "، طه/115. أنّ الله سبحانه وتعالى رحمته واسعة، وفضله كبير، وأنّه يقبل توبة التّائبين، كما قال سبحانه وتعالى:" فتاب عليه إنّه هو التوّاب الرّحيم "، البقرة/37. أنّ آدم عليه السّلام قد خُلق من طين لازب، ومن حمأ مسنون، وذلك كما ورد في العديد من الآيات، مثل قوله سبحانه وتعالى:" وبدأ خلق الإنسان من طين "،
السجدة/7. أنّ الله سبحانه وتعالى بحكمته وإرادته جعل في الأرض خليفةً له، هو آدم ومن توالد من ذريّته، وذلك كما قال سبحانه وتعالى:" وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة "، البقرة/30، وقال سبحانه وتعالى أيضاً:" وهو الذي جعلكم خلائف الأرض "،
الأنعام/155. أنّ العداوة بين إبليس وذريته، وبين سيّدنا آدم وذريته هي عداوة قديمة، وشديدة، ومستمرّة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، قال سبحانه وتعالى:" وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو "،
البقرة/36. أنّ الإنسان الذي يعيش في نعمة يجب عليه أن يحافظ عليها، وأن يشكر الله سبحانه وتعالى، وأن يدعوه بدوامها، ولا يعمل أيّ عمل فيه مخالفة لأوامر الله سبحانه وتعالى، لأنّ الإنسان إذا كفر بالنّعمة أخذها الله سبحانه وتعالى منه، وقد قال عزّ وجلّ:" لئن شكرتم لأزيدنّكم ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد "، إبراهيم/7.