ميريهان الريس ابنة الفنانة الراحلة مديحة كامل
ميريهان الريس ابنة الفنانة الراحلة مديحة كامل: هذه أسرار الليلة الأخيرة في حياة والدتي وصممتُ أزياءً باسمها
سلسلة «نجوم في الذاكرة» تتناول من خلالها سيرة كبار النجوم الراحلين من خلال لقاءات حصرية مع المقربين منهم.
23 عاماً مرت على رحيل مديحة كامل التي لم تعرف السينما المصرية مثيلاً لجمالها ورقتها وبريقها الفني. عاشت حياتها الفنية كممثلة لها جاذبية خاصة. حبها يتسلل إلى القلب بسرعة الصاروخ. وشخصيتها تحمل كثيراً من الجاذبية والتأثير على عقل وقلب الجمهور.
قدمت مديحة كامل على مدار حياتها الفنية أفلاماً كثيرة لعل أشهرها فيلم «الصعود إلى الهاوية» الذي قامت فيه بدور الجاسوسة. وكان هذا الدور الذي اختارها له المخرج كمال الشيخ نقطة التحول والانطلاق لبطولات الصف الأول لها ويأتي بعده أفلام من أهمها «بريق عينيك»، «أغنية على الممر» و«أبناء الصمت».
ظلت مديحة بعيدة عن الأضواء بعد اعتزالها وحجابها حتى رحلت عن دنيانا في يناير 1997. وبالرغم من رحيلها، إلا أنها لا تزال النجمة الجميلة صاحبة التأثير في قلوب محبيها. وخلال العام الفائت أطلت ابنتها الوحيدة ميريهان كمصممة أزياء لملابس سهرة وعبايات تحمل اسم «مديحة كامل» حيث استخدمت اسم والدتها ليكون ماركة تصميماتها.
زرنا ميريهان الريس في منزل والدتها مديحة كامل في منطقة المهندسين حيث تعيش منذ وفاة والدتها هي وابنها الكبير يوسف وابنتها جومانة التي ورثت عن جدتها الشكل والطيبة وخفة الظل.
مديحة كامل
مديحة كامل
كيف تعرفت والدتك على والدك رجل الأعمال محمود الريس؟
أبي كان صديقاً لجدي، وكان يكبر أمي بسنوات عدّة، وعندما تقدم للزواج منها، وافقت أمي على الفور ولم تتردد، لأنه وعدها بالموافقة على أن تعمل في الفن وتمثل في السينما. وبعد زواجهما، انتقلا للإقامة في القاهرة، ورافقتهما جدتي وحصلت أمي على الثانوية العامة وهي حامل. وبعد ولادتي، بدأت أمي عملها في الفن، إذ قابلها المخرج أحمد ضياء الدين وعرض عليها التمثيل في فيلم «فتاة شاذة».
كيف كانت توازن بين عملها وتربيتك؟
كانت أمي تعتمد على جدتي في الأوقات التي تعمل فيها كي ترعاني وتذاكر معي. وعندما كانت تأتي من عملها، كانت تهتم بكل احتياجاتي، وتحكي لي قبل النوم «حواديت» (قصص) السندريلا و«حواديت» قصص الأنبياء التي كانت تنمّي من خلالها بداخلي، الحب والرحمة وطاعة الله. وكثيراً ما كانت تأخذني معها لتصوير أعمالها، وكنت أجلس في الغرفة الخاصة بها في الاستديو، وتذاكر معي في الاستراحات بين المشاهد. وكنت أسافر معها كثيراً لتصوير أعمالها بعد أن تأخذ إجازة لي من المدرسة.
أتذكر عندما سافرت معها لتصوير فيلم «الصعود إلى الهاوية» في باريس، كانت في هذا الفيلم قلقة جداً، لأنه كان تحدياً بالنسبة إليها كي تنجح وتصبح من نجوم الصف الأول، بخاصة أن المخرج كمال الشيخ أسند إليها الدور لإيمانه بموهبتها بعد اعتذار سعاد حسني. وبالفعل، نجح الفيلم، وأصبح من علاماتها الفنية في السينما المصرية. وكانت تعتز به كثيراً حتى رحيلها، وكانت أيضاً تعتز بفيلم «ملف في الآداب» مع المخرج الراحل عاطف الطيب.
كيف كانت علاقتك بأزواج والدتك؟
بعد انفصال والديّ، وكنت وقتها طفلة صغيرة، تزوجت أمي المخرج شريف حمودة، وكانت زيجة لفترة قصيرة. ثم تزوجت المحامي صلاح دياب، الذي كان حب عمرها وكان إنساناً محترماً ورجلاً بمعنى الكلمة. وكان يحب أمي ويحترمها، ولكنهما انفصلا، وكانت أمي تؤمن بالقسمة والنصيب وقدر الله سبحانه وتعالى، إلاّ أنّها لم تنسه وأنا أيضاً لأنه كان يعاملني كابنته، إذ لم يكن له أبناء.
ولماذا لم تتزوج مديحة كامل بعد ذلك؟
على الرغم من أن عدداً كبيراً من الشخصيات المحترمة جداً، تقدموا للزواج منها، إلاّ أنّها كانت ترفض، حتى تتفرغ لعملها ولتربيتي ورعايتي.
كيف كانت تتعامل معك في سن المراهقة؟
كنا أصدقاء وكنا نحب بعضنا جداً كأننا قلب واحد، أنا شعرت بأن قلبي انكسر بعد رحيل أمي، لا أصدق حتى الآن أنها تركتني، روحها معي دائماً، كانت حازمة جداً تخاف عليّ في سن المراهقة، وكانت هناك مواعيد لعودتي إلى المنزل، لا أتأخر عن الساعة التاسعة مساءً، وأتذكر أنني عرضت عليها أن أسافر إلى فرنسا لأدرس تصميم الأزياء، فرفضت، وقالت «ما عنديش بنات تسافر لوحدها».
صداقة مع عمر خورشيد
مديحة كامل تحمل ابنتها
مديحة كامل تحمل ابنتها
كانت هناك شائعات بأن العلاقة كانت متوترة بينها وبين نبيلة عبيد؟
شائعات سخيفة. بالعكس، كانت علاقتهما جيدة وبينهما الاحترام والتقدير، وكانت المنافسة شريفة بينهما، أمي كانت تحب كل الناس، وكانت تؤمن بأن الحب هو أساس الحياة.
ماذا عن علاقتها بسهير رمزي وشمس البارودي؟
كانت سهير رمزي صديقة مقرّبة لها، وكانتا تتبادلان الزيارات كثيراً وتتقابلان في مجالس العلم، كانت تحب سهير رمزي كثيراً، ودائماً تقول إنها مهذبة ومحترمة. أما شمس البارودي، فكانت والدتي تقدرها وتحترمها جداً، وأتذكر أنها كانت تتحدث معها كثيراً عبر الهاتف، وتسألها عن تجربتها في الحجاب وماذا تقرأ. وأيضاً أمي كانت صديقة لنسرين.
كانت هناك علاقة صداقة قوية تجمع بين مديحة كامل وعازف الأورغ الشهير الراحل عمر خورشيد، ماذا تخبرينا عنها؟
كانت تعتبره أخاً وصديقاً عزيزاً، وهو أيضاً كان يعتبرها كذلك وكانت صديقة لزوجته دينا خورشيد، وآخر أفلامه التي أنتجها ومثّلها، شاركته أمي في بطولتها أي فيلم «العرافة». بعد رحيله، أُصيبت أمي بحالة من الحزن الشديد، لأنها كانت معه وزوجته يوم الحادث الذي أودى بحياته، فقد كانت أمي تقود السيارة الأخرى التي كانت تسير خلف سيارة عمر خورشيد، وكل شيء حدث أمامها ولم تنسَ مشهد وفاته أمامها حتى رحيلها.
الاعتزال وارتداء الحجاب
ابنة مديحة كامل مع ابنتها
ابنة مديحة كامل مع ابنتها
كيف كان قرار الاعتزال وارتداء الحجاب؟
أمي حدث لها أكثر من ابتلاء في حياتها جعلها تتقرب إلى الله بالتدريج، ففي أواخر السبعينيات صُدمت برحيل شقيقها الأصغر، وكان يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً، وحزنت حزناً كبيراً مما جعلها تتقرب إلى الله أكثر، وكانت لا تترك فرضاً وتدخل تصلي كل صلاة في وقتها، وهي تصور أفلامها. وعلى الرغم من أنها كانت أحياناً ترتدي ملابس في بعض الأفلام «كَتْ» (مكشوفة) أو بحمالات، إلاّ أنّها كانت قريبة جداً من الله. وفي الثمانينيات، أُصيبت بجلطة في القدم مرتين جعلتها تؤجل كل أعمالها التي تعاقدت عليها، وكانت حالتها النفسية سيئة جداً بسبب مرضها. ولكن دائماً كانت تحمد الله، وفي أواخر الثمانينيات أُصيبت بـ«روماتويد»، ولكنها تأقلمت مع المرض وعايشته وبدأت تأخذ له العلاج، فارتاحت عليه. ولكن «الروماتويد» جعلها تصاب بمياه على القلب والحمد لله شُفيت. وأثناء تصويرها آخر أفلامها «بوابة إبليس»، كانت تشعر في الكواليس بأنها تريد أن تغيّر حياتها، وتعيش في هدوء على الرغم من حبها الشديد للفن وعشقها له. وفي ذلك الوقت، تعرّضت جدتي لجلطة في الرأس، وقامت أمي برعايتها والإقامة معها في المستشفى، وشعرت في ذلك الوقت بأن الانسان ممكن أن يكون في أحسن صحة وفجأة يمرض، وتتحول حياته تماماً، وأن الدنيا ليس لها أمان، وأن العمل الصالح هو الباقي. فقررت الاعتزال وارتداء الحجاب، الذي وجدت فيه سعادتها ولم تكمل الفيلم، وتدخلت النقابة حتى لا يقيم المنتج أي دعوى قانونية، وطوال حياتها بعد الاعتزال كانت متابعة لأعمال زملائها، وكانت تسعد لنجاحهم وكانت تعتز بكل أفلامها، ولم تندم على عملها في الفن، ولم تحرّمه وأدت فريضة الحج عام 1995.
كيف تحولت حياتها بعد الاعتزال؟
تفرغت لحياتها العائلية، وكانت تحضر مجالس علم لعلماء مثل الدكتور عمر عبد الكافي والدكتور مصطفى محمود وذهبت لزيارة الشيخ الشعراوي، وكانت تحب أن تسأله في أمور عدّة في الدين. وكانت دائماً تقرأ وتتعلم وتحفظ القرآن، ولم تقم بعمل الداعية أبداً. بالعكس، كانت ترفض وتقول «أنا أتعلم ديني من علمائي». ولم تستغل أبداً شهرتها بأن تقدّم برامج بالحجاب، أو تظهر في برامج بمقابل مادي، فكانت ترفض عروضاً بمبالغ كبيرة، وتقول «أنا لا أتاجر بديني».
هل نصحتك بالحجاب؟
أبداً لم تقل لي تحجبي، لكنها كانت تدعو لي وتتركني أختار وأقتنع بنفسي، حتى اقتنعت وارتديتُ الحجاب بعد أمي بثلاثة أشهر.
تزوجت بعد حجابك، فكيف عاشت الأم مديحة كامل إحساس «أم العروسة»؟
كانت سعيدة جداً بإحساس «إم العروسة»، وفي الوقت ذاته، حزينة جداً لأني سأتزوج وسأبتعد عنها. كانت حريصة على أن تشتري أثاث منزلي من أوروبا وكل ملابسي أيضاً. وأقامت لي فرحاً في أحد الفنادق الكبرى. وكانت المفاجأة أن لبّت الفنانة الراحلة شادية دعوة أمي لحضور فرحي، لأنها كانت صديقة مقربة جداً لها، وكانت تحبها كثيراً، وأمي كذلك كانت بالنسبة إليها الحاجة شادية القدوة، وأختاً وصديقة. وأيضاً سعدت جداً بحضور الدكتور مصطفى محمود، إذ كانت أمي صديقة لعائلته، ولن أنسى عندما حكت لي أنها بعد عودتها إلى منزلها ليلة فرحي، دخلت غرفتي وبكت واحتضنت ملابسي، ولكني لم أتحمل العيش بعيداً من أمي، فطلبتُ من زوجي أن ننتقل للإقامة معها، وفعلاً عدتُ مرة أخرى لأعيش معها.
أمي كانت مرحة جداً وهادئة
ابنة مديحة كامل
صفي لنا مديحة كامل الجدة؟
كانت سعيدة جداً عندما رزقني الله بيوسف ابني الأكبر، وكانت تعتني به وتلعب معه وتطعمه، وكانت تخاف عليه جداً وللأسف لم ترَ جومانة ابنتي الصغرى، فقد رزقني الله بها بعد وفاة والدتي بثلاث سنوات، لكني كنت حريصة على أن أحكي لولدَيْ عن «ماما دودو»، عن «حنّيتها» وطيبتها ومواقفها الكثيرة معي، وماذا تعلمت منها. فقد تعلمت منها حب الناس والرحمة والصدق والوفاء. وكانا دائماً متابعَيْن لأفلامها ويعرفان قيمتها كفنانة، وكثيرون من الناس يفرحون بهما في أي مكان عندما يعرفون أنهما حفيدا مديحة كامل، وأنا أيضاً كذلك أسعد جداً عندما يقابلني الناس، ويقولون لي «نحن نحب ماما كثيراً».
ما ذكرياتك عن ليلة وفاتها؟
لا تستطيع ميريهان أن تمنع دموعها عندما تتذكر ليلة وفاة والدتها في 4 رمضان، الموافق 13 يناير (كانون الثاني) 1997. وتقول: «كانت طبيعية جداً قبل السحور تحدثت بالهاتف مع سهير رمزي وصديقات أخريات من خارج الوسط الفني، وكانت تقول لهن «نريد أن ندعو لبعضنا في صلاة الفجر». وكانت تضحك وسعيدة جداً. وبعد السحور، انتظرت هي وزوجي ليصليا الفجر. وكنتُ أنا في غرفتي مع ابني لينام. صلّت ودخلت نامت وضبطت المنبه على الساعة الثانية عشرة لتصلي الظهر في مسجد مصطفى محمود كعادتها، لكنها لم تفعل، فحاولتُ إيقاظها، وكنتُ أشعر بأنها في حالة إغماء، ولم أتصور أبداً أنها توفيت، لأن بشرتها كانت دافئة فنقلتُها أنا وزوجي إلى معهد القلب بالقرب من المنزل، لكنهم أخبرونا بأنها توفيت. لم أصدق، وكأنه حلم ما زلتُ أعيش فيه إلى الآن، أمي كانت كل شيء في حياتي، الله يرحمها. وجدتُ على سريرها «كاسيت» كانت تسجل عليه ما حفظته من سورة البقرة، لأنها كانت بدأت في حفظ القرآن».
كيف كانت تعيش مديحة كامل حياتها الخاصة؟
أمي كانت مرحة جداً وهادئة، وأحياناً تعصّب على بعض الأمور، لكنها كانت تستطيع أن تتحكم في انفعالاتها. كانت بسيطة جداً في حياتها وملابسها. كانت ترتدي بنطلون جينز وتيشرت، أو فساتين رقيقة، تتحرك بحرية ولا تعيش حياة النجوم.