هل تنتقل عدوى «كورونا» من الأم إلى الجنين في أثناء الحمل؟

دراسة صينية تتوصل إلى أن "كوفيد 19" لا ينتقل من الأم المصابة بالفيروس إلى جنينها عبر المشيمة خلال الثلث الأخير من الحمل.

هل تنتقل عدوى «كورونا» من الأم إلى الجنين في أثناء الحمل؟

اعتمد الفريق في نتائج دراسته على تحليل عينات مأخوذة من 9 سيدات حوامل أصبن بالفيروس في الفترة ما بين 36 إلى 39 أسبوعًا من الحمل. : 

مع اتساع رقعة انتشار فيروس "كورونا" المستجد (2019-nCoV) حول العالم، وتزايُد الأعداد اليومية للوفيات والإصابات، لا تزال طبيعة انتشار  هذا الفيروس القاتل مجهولة، ولا يزال انتقاله من الأم المصابة إلى الجنين أحد أبرز التساؤلات التي يبحث العلماء عن إجابة دقيقة لها، في محاولة لاحتواء تفشِّي هذا الفيروس بين المواليد الجدد، خاصةً بعد انتشاره في أكثر من 60 دولة حول العالم.

إجابة هذا السؤال باتت مُلِحَّة، بعد رصد إصابة مولود صيني بعدوى الفيروس الذي أُطلق عليه اسم "كوفيد 19" (COVID-19)- بعد 36 ساعة فقط من ولادته، ما دفع فريقًا بحثيًّا بمستشفى تشونغنان التابع لجامعة ووهان الصينية، إلى إجراء أول دراسة من نوعها، منذ بدء ظهور الفيروس في الصين نهاية ديسمبر الماضي،

لبحث إمكانية انتقال الفيروس من الأم إلى جنينها. وكان أمام الفريق البحثي عدة فرضيات، أبرزها إمكانية انتقال العدوى في الرحم عبر المشيمة، أو في أثناء عملية الولادة نتيجة ملامسة سوائل الأم، بالإضافة إلى إمكانية انتقاله بعد الولادة عن طريق حدوث اتصال وثيق بمريض مصاب بالفيروس.

اعتمد الفريق في نتائج دراسته المنشورة في 12 فبراير الجاري بدورية "ذا لانسيت" (The Lancet)، على تحليل عينات مأخوذة من 9 سيدات حوامل أصبن بالفيروس في الفترة ما بين 36 إلى 39 أسبوعًا من الحمل، وكُنَّ قد نُقِلنَ إلى مستشفى تشونغنان في مدينة ووهان، بؤرة انتشار "كورونا" في الصين بين يومي 20 و31 يناير 2020.

ولكن عندما أنجبت الأمهات أطفالهن التسعة عن طريق ولادات قيصرية، لم يلحظ الأطباء ظهور أية أعراض للمرض على المواليد؛ إذ انتهت نتائج الفريق البحثي بشكل مبدئي، إلى أن "كوفيد 19" لا ينتقل من الأم المصابة بالفيروس إلى جنينها عبر المشيمة خلال الثلث الأخير من الحمل.

الانتقال العمودي للفيروس

البروفيسور يونتشن تشانغ، قائد فريق البحث، قال في تصريحات لـ"للعلم": إن أبرز ما توصلت إليه الدراسة، هو عدم رصد أية أدلة على إمكانية انتقال عدوى "كوفيد 19" عموديًّا، أي من الأم إلى جنينها خلال الأسابيع الأخيرة من الحمل، وذلك رغم محدودية العينة (9 سيدات حوامل فقط).

وأضاف: "أخضعنا السيدات الحوامل للفحوصات ذاتها التي يخضع لها غير الحوامل؛ لتشخيص إصابتهن بالفيروس، متضمنةً فحوصات الدم والصدر، وراجعنا أيضًا تاريخهن الطبي في السابق".

وأوضح "تشانغ" أنه تم تقييم مدى انتقال الفيروس من الأم إلى الجنين عبر جمع عينات من السائل الأمينوسي (السائل الذي يحيط بالجنين داخل رحم الأم)، ودم الحبل السري، بالإضافة إلى حليب الثدي، وكذلك أخذ مسحة من حلق المولود لحظة الولادة، وقد أُخذت جميع العينات في غرفة العمليات حتى تعكس ظروف الرحم الحقيقية، وبعد تحليلها اكتشفنا أن جميع العينات سلبية.

وعن طرق انتقال الفيروسات والبكتيريا عمومًا، قال أحمد محمد قنديل، باحث الفيروسات بالمركز القومي للبحوث في مصر: إن هناك طريقتين لانتقال الفيروسات، أولاهما العدوى المنتقلة عموديًا (Vertical Transmission) من الأم مباشرةً إلى الجنين أو الطفل في أثناء الحمل أو عند الولادة، وأخيرًا العدوى المنتقلة أفقيًّا (Horizontal Transmission) هي انتقال العامل الممرض مثل البكتيريا والفيروسات المعدية بين أفراد من النوع نفسه ليست بينهم علاقة أبوة أو بنوة، وذلك عبر المخالطة أو ملامسة الرذاذ وإفرازات الجهاز التنفسي، بالنسبة لفيروسات الجهاز التنفسي كـ"كورونا"، أو عبر الدم الملوث كـ"الإيدز" والفيروسات الكبدية "سي" و"بي".

وعن الطريقة المعتمدة حاليًّا لتشخيص الإصابة بـ"كوفيد 19" لدى الأشخاص المحتملين، أشار "قنديل" إلى أن ذلك يتم عن طريق اختبار معتمد من قِبَل منظمة الصحة العالمية للكشف الجزيئي عن الفيروس، لعينات مأخوذة من أشخاص يُشتبه في إصابتهم به.

وأضاف أن العينة عبارة عن مسحة مأخوذة من البلعوم أو الحلق أو الأنف، وتوضع في وسط ناقل يحافظ عليها لاستخدامها في دراسات أخرى، ثم يتم عمل استخلاص للمادة الوراثية في العينة عبر تقنية تفاعل البوليمرات المتسلسل العاكس (RT-PCR) لقياس كمية محددة من الحمض النووي للفيروس، وهي فحوصات معملية سهلة ومتاحة على نطاق واسع، وقياس أعداد الفيروس أو ما يُعرف بالحمل الفيروسي الموجود في العينة.

نتائج مفيدة للغاية

وأوضح "قنديل" أن الدراسة تم تنفيذها بشكل رائع، ووصف نتائجها بأنها مفيدة للغاية في إعطاء مؤشرات أولية على إمكانية انتقال الفيروس من الأم الحامل إلى الجنين، لكنها تحتاج إلى استكمالها عبر مراحل أخرى جديدة.

واتفق معه محمد سمير، مدرس علم الفيروسات بقسم الأمراض المشتركة، كلية الطب البيطري، جامعة الزقازيق، إذ أشاد بما توصل إليه العلماء من نتائج دقيقة، رغم محدودية العدد الذي شارك في الدراسة، لكنها أجابت عن سؤال محوري يهم قطاعًا واسعًا من الباحثين والجمهور، وهو إمكانية نقل عدوى "كورونا" من الأم إلى الجنين، لكن لا يمكن تعميم النتائج بصورة كاملة حتى تُستكمل الأبحاث على عدد أكبر، بحيث يجري تأكيد النتائج الأولية أو نفيها.

وأضاف في حديث لـ"للعلم"، أن محدودية العدد في هذه الدراسة تحديدًا، تعتبر مقبولة، لسببين: الأول ظروف الوباء وسرعة انتشاره، وبالتالي حرص الفريق على الخروج بنتائج عاجلة قدر الإمكان، والثاني حرص الفريق على تحقيق السبق في هذه النقطة البحثية، والبناء عليها في تجارب موسعة، بالإضافة إلى استشهاد باحثين آخرين بما تحقق فيها من نتائج.

وفي تعليقه على هذه النقاط، أشار "تشانغ" إلى أن فريقه سيواصل أبحاثه على عينات لأعداد أكبر من الحوامل، بالإضافة إلى متابعة السيدات المصابات بالعدوى وكذلك أطفالهن، من أجل مواصلة تقييم آثار عدوى "كوفيد 19" على سلامة وصحة الأمهات والمواليد، كما سيركزون -على وجه الخصوص- على مراقبة سيدات حوامل في الثلث الأول والثاني من الحمل، وكذلك لسيدات ولدن طبيعيًّا، لتقييم الآثار طويلة الأجل لعدوى الفيروس.

نقاط القوة وأوجه القصور

وعن نقاط التميز في الدراسة، أوضح "سمير" أنها تتمثل في أن العينات التي حصل عليها الفريق من السيدات الحوامل أو الأجنة، كانت في أثناء انتشار الوباء في مدينة ووهان بؤرة الفيروس في الصين، ولحظة حدوث الولادة داخل غرفة العمليات، وليس بعدها بساعات أو فترة طويلة، ما يؤكد دقة النتائج، وعدم فتح الباب أمام إمكانية اكتساب المولود للعدوى من البيئة المحيطة.

أما عن أوجه القصور التي يمكن علاجها في الدراسات المستقبلية، فقد أضاف "سمير" أن الفريق أخذ جميع الحالات الـ9 للسيدات الحوامل، من مستشفى واحد في الصين، رغم انتشار الفيروس في أكثر من منطقة بالبلاد، والأفضل أن يتم أخذ العينات من أكثر من منطقة ومستشفى؛ إذ إن هذا الإجراء يعطي قوة للدراسة ونتائجها.

تاريخ عائلة "كورونا"

وبالعودة إلى تاريخ عائلة فيروسات "كورونا"، عقد "قنديل" مقارنة لهذه العائلة من حيث خطورتها وانتقالها إلى الأجنة بعد تحوُّرها عام 2003، الذي شهد أول انحراف وتحوُّر لعائلة "كورونا" في العالم، ليظهر في نوع جديد يسمى "سارس"، ثم ظهر بعده "ميرس" كورونا بالسعودية عام 2012، ثم مؤخرًا كورونا المستجد في الصين.

وأضاف "قنديل" أن الدراسات أثبتت أن عائلة "كورونا" المتحورة لا تنتقل من الأم إلى الجنين، فهناك دراسات أُجريت على فيروس "سارس" (SARS-CoV) في أثناء الحمل، ومنها دراسة أجريت في 2004، في أثناء انتشار الوباء، أظهرت أن الفيروس لا ينتقل من الأم إلى الجنين، والأمر ذاته يحدث في عدوى متلازمة الشرق الأوسط التنفسية أو كورونا الشرق الأوسط (MERS-CoV)، إذ كشفت دراسة أجريت في 2017، أن الفيروس لا ينتقل من الأم إلى الجنين.

وعن المحددات التي يمكن أن تؤدي دورًا في انتقال فيروسات عائلة كورونا من الأم إلى الجنين، أشار إلى أن أولها يرجع إلى العوامل الفيروسية، كحجم الفيروس وإمكانية عبوره إلى المشيمة والانتقال إلى الجنين، وثانيها الحمل الفيروسي (كمية الفيروس) في جسم الأم ومدى انخفاضه وارتفاعه، وثالثها مكان تكاثر الفيروس في الجسم، هل هو في الجهاز التنفسي كفيروس كورونا أو في الدم كفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، على سبيل المثال.

وتابع "قنديل" أنه في حالة "كوفيد 19"، يمكن للفيروس أن ينتقل عبر الدم من الأم إلى الجنين إذا كان الحمل الفيروسي شديدًا للغاية؛ كي يمكنه الانتقال من الرئتين إلى دم الأم، ثم عبر حاجز المشيمة إلى الجنين.

واتفق معه "سمير"، مضيفًا أن فيروس "كورونا" عادةً لا يوجد في الدم، وإنما يكون في الجهاز التنفسي، لكن يمكن أن تكون هناك أجسام مضادة في الدم، يفرزها الجهاز المناعي، تشير إلى وجود عدوى فيروسية. وأضاف أنه بالنظر إلى جميع وفيات فيروس "كورونا" حتى الآن فقد جاءت نتيجة أعراض تنفسية شديدة، ولا علاقة لها بوجود الفيروس في الدم.

انتقال الأمراض الفيروسية

في حين تطرَّق "سمير" إلى الأمراض الفيروسية التي يمكن أن تنتقل من الأم إلى الجنين عن طريق الدم، مشيرًا إلى أن أبرزها فيروس نقص المناعة البشري "الإيدز" (HIV)، بالإضافة إلى فيروس الكبد الوبائي بي (Hepatitis B)، بالإضافة إلى الهربس (Herpes virus) الذي يُحدث تشوهات في الأجنة وإجهاضًا للحمل غير معلوم السبب؛ لأن عدواه يمكن أن تظل كامنةً لدى الأمهات، وقد يحدث ذلك الانتقال خلال الحمل، لكن الأغلب أنه يحدث في أثناء عملية الولادة الموجودة في الجهاز التناسلي للأم في أثناء الولادة الطبيعية.

لكنه أشار إلى أن احتمالات انتقال "كورونا" نتيجة عدوى الجهاز التناسلي لم تُثبت بعد، لأن الولادات التي تابعتها الدراسة الجديدة كانت قيصرية وليست طبيعية، وهو ما يمكن اختباره في دراسات مستقبلية.

وأضاف "سمير" أن هناك أمراضًا تنفسية أخرى يمكن أن تنتقل من الأم إلى الجنين، لكن الشرط الوحيد لانتقالها أن تكون العدوى عالية الضراوة، إذ ينتقل الفيروس من الجهاز التنفسي إلى خلايا الدم، وبالتالي يمكن أن ينتقل إلى الجنين، وحدث ذلك مع فيروس الإنفلونزا الإسبانية (H1N1 flu virus) عام 1918، وأحدث وفيات لدى الحوامل، بالإضافة إلى أن حوالي ثلث الحوامل اللاتي أصبن بالفيروس ظهرت عليهن أعراض شديدة للفيروس استدعت الدخول إلى غرف العناية المركزة.

وأشار إلى أن الأمراض التي تنقلها الأم إلى الجنين تختلف تداعياتها وفقًا لتوقيت الحمل الذي تقسيمه إلى 3 أثلاث أو مراحل، لكن الدراسة ركزت فقط على الثلث الثالث أو الأخير من الحمل، وذلك لظروف الوباء الحاصل حاليًّا.

ونوه "سمير" بأن الجهاز المناعي للأم يكون في أضعف حالاته خلال الأشهر الأولى من الحمل، ويمكن أن تؤدي إصابتها بالعدوى خلال هذه المرحلة إلى مضاعفات خطيرة على الجنين قد تصل إلى حد الإجهاض، وبالتالي من المهم أن يختبر فريق البحث تداعيات فيروس "كوفيد 19" على الأجنة خلال جميع مراحل الحمل، وليس الثلث الأخير كما جاء في الدراسة.





المقالات ذات صله