مرضى الصحة النفسية أكثر ضحايا «كورونا»


تمر الأيام والليالي على كثير من الناس وهم قابعون في بيوتهم، لا يخرجون منها إلا للضرورة القصوى بسبب الخوف من «كورونا»، ورغم تراجع أرقام الإصابات اليومية في الكويت، يؤثر البعض السلامة بالبقاء طويلاً داخل المنزل خشية العدوى، ومنهم سالم، الذي لديه ملف في مستشفى الطب النفسي،

لكنه اضطر للخروج لمراجعة طبيبه بعد أن تفاقم لديه الشعور بالاختناق والضجر والتوتر جراء العزلة التي طالت، فضلاً عن الهلوسة المتكررة إذا شعر بوهن في الجسم أو حتى ارتفاع بسيط في درجة الحرارة وأصبح الفيروس المستجد هاجساً مسيطراً على النفس.

جلس سالم الى طبيبه النفسي وحدثه بهواجسه وقلقه، لكنه لم يكن لوحده في ذلك الإحساس جراء الوباء، فالكثيرون متوترون وينتابهم القلق نفسه، ويحتاجون إلى عناية نفسية لإعادة الاطمئنان إلى نفوسهم التي زادها الوباء كآبة وانطوائية وحزناً.

ومع دخول ازمة جائحة كورونا للبلاد منذ فبراير الماضي، تزايدت الالام والمواجع لدى اشخاص كانوا اصحاء قبل الجائحة، حيث تسببت في زيادة الاضطرابات النفسية لدى بعض المواطنين والمقيمين خلال العام الماضي، سيما مع ما شهدته البلاد من حظر كلي وجزئي، وتطبيق الاشتراطات الصحية الطارئة، علاوة على العزل المناطقي في 2019، الامر الذي ضاعف المشاكل المتعلقة بالصحة النفسية نتيجة فرض واقع جديد قد يكون غير مقبول لدى فئات معينة.

تأثير كبير

وكان للجائحة تأثير كبير في الصحة النفسية، فإغلاق العيادات المتخصصة في هذا المرض أثر سلبا في خطط العلاج، كما أن %20 من مرضى كورونا أصيبوا باضطرابات نفسية، وتزايدت لديهم أعراض القلق والاكتئاب والأرق جراء إغلاق كثير من مناشط الحياة المعتادة.

ووفق المختصين فإن ذوي الاضطرابات العصبية أكثر تعرضاً لانتقال وباء كورونا، كما أن إنهاء بعض الأعمال والخوف من فقدان الوظائف يصيبان بأرق مزمن.

ويفيد مسؤولون صحيون أن افتتاح 13 عيادة جديدة للصحة النفسية في الكويت ساهم كثيراً في تخفيف التأثيرات النفسية للوباء، حيث يجري التركيز على تأهيل مرضى كورونا نفسياً عقب التعافي، فضلا عن استقبال المعتلين نفسيا بالأساس.

وكان من اللافت وفق أطباء نفسيين تزايد أعداد المكتئبين وحدوث انتكاسة كبيرة للخاضعين للإدمان منذ ظهور كورونا، مبينين أن العنف الأسري تزايد بنسبة %40 بسبب كورونا.

لا تخجلوا

هل أنا مريض نفسي؟.. سؤال ينتاب الكثير من الناس، لكن الاختصاصيين النفسيين يطمئنون بأن بعض التوتر والقلق أمر طبيعي، مشيرين إلى أن الاعتلالات النفسية سمة العصر، ولا داعي للخجل من مراجعة الطبيب النفسي.

ولتغيير الصورة النمطية عن المرض النفسي، وتعديل النظرة الاجتماعية الخاطئة وضعت وزارة الصحة خططاً طموحة وتصورات واضحة منذ سنوات، وهو ما توج بافتتاح عيادات للطب النفسي في معظم المستشفيات العامة والمراكز الصحية، وتدشين اجنحة دخول للمراجعين من الأطفال والمراهقين، وافتتاح البورد الكويتي للطب النفسي لتدريب وتأهيل الأطباء في هذا المجال منذ أعوام.

وبموازاة ذلك عقدت الكثير من ورش العمل والفعاليات التعليمية والتدريبية للمختصين بالاستعانة بالكفاءات الوطنية والخبرات العالمية من اجل الارتقاء بالمستوى والممارسة الإكلينيكية والخدمات المقدمة للمرضى، وذلك خلال الفترة التي سبقت أزمة كورونا.

ودلَّت دراسات متفرّقة عالمياً على أن نحو خُمس مصابي «كورونا» تنتابهم اضطرابات نفسية، خلال 90 يوماً من التقاط العدوى، وكانت الأعراض النفسية الأكثر شيوعا هي: القلق والاكتئاب، والأرق، فضلاً عن زيادة ملحوظة في الإصابة بالخرف لدى كبار السن منذ ظهور الوباء، لكنّ ذوي الاعتلالات العصبية أكثر تعرّضا للإصابة بالفيروس.

قيود الإغلاق

وأشارت دراسة أخرى إلى أن قيود الإغلاق التي جرى فرضها في دول العالم من أجل احتواء «كورونا»، كان لها تأثير فادح في الصحة بشكل عام، وأدت إلى تراجع النشاط البدني لدى شرائح مختلفة، في حين أقبل آخرون على تناول الطعام بصورة كبيرة، خلال بقائهم داخل منازلهم.

في حين أكدت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا أوقف خدمات الصحة النفسية الأساسية في جميع أنحاء العالم في اللحظة التي تشتد فيها الحاجة إلى هذه الخدمات، فجائحة «كورونا» نفسها يمكن أن تؤدي إلى مضاعفات عصبية وعقلية؛ كالهذيان والهياج والسكتة الدماغية، فالأشخاص الذين يعانون اضطرابات عقلية أو عصبية أو اضطرابات موجودة مسبقا، هم أيضا أكثر عرضة للإصابة بالعدوى، وربما يكونون أكثر عرضة لخطر الإصابة الشديدة، وحتى الموت.

كما تتسبّب الفجائع الناجمة عن فقدان الأقارب بسبب الموت، والعزلة، وفقدان الدخل، والخوف، في ظهور حالات صحية نفسية، أو تفاقم الظروف القائمة.

تأثير الأدوية

محلياً، يواجه المرضى الذين يعانون بعض الاضطرابات النفسية من مشاكل اخرى، قد تزيد أوجاعهم وتؤثر سلبا في أوضاعهم الصحية خلال الفترة الحالية، بينها تفاوت العلاج المستخدم معهم واختلافه في المرافق الصحية، كمركز الكويت للصحة النفسية او المراكز التخصصية في القطاع الخاص، إضافة الى صرف أدوية قد لا تأتي بنتيجة ايجابية للمريض، وعدم التركيز على العلاج النفسي الذي يرتكز على الجلسات النفسية والسلوكية، ومن ثم الغذاء الصحي والعلاج الرياضي ايضا لبعض الحالات.

علاج متنوع

وعموم المرضى بحاجة الى علاج نفسي او دوائي، ينقلهم من مرحلة المرض الى الشفاء العاجل، لا سيما أن بعضهم يضطرون الى الذهاب الى المؤسسات العلاجية في القطاع الخاص، بعد فترة ليست بقصيرة من المراجعات الطبية لمركز الكويت للصحة النفسية، نظرا إلى عدم تحسُّن أوضاعهم الصحية، كما أنهم يواجهون مشاكل أخرى تتعلق بتأثير الأدوية المصروفة لهم، أو حتى إقبالهم عليها بصورة كبيرة لضمان استقرار حالتهم، وعدم حدوث أي مضاعفات قد تؤثر لاحقاً.

الخضاري: 40% زيادة العنف الأُسري بسبب «كورونا»

كشف رئيس قسم الطب النفسي في كلية الطب بجامعة الكويت د.سليمان الخضاري، عن زيادة معدلات العنف الأسري والمنزلي نتيجة تداعيات ازمة كورونا خلال العام الماضي، وبنسب تتراوح بين %30 الى %40 في بعض الدول، مبينا ان الامم المتحدة سبق ان حذرت من تداعيات الجائحة خلال الانتشار الاولي للكورونا حول العالم، حيث اوضحت بان العدو الحقيقي ليس الفيروس بل الاثار المترتبة على انتشاره.

 واضاف الخضاري لـ القبس ان ابرز الامراض النفسية التي لوحظ انتشارها في البلاد خلال ازمة جائحة كورونا، هي المتعلقة باضطرابات القلق والاكتئاب وارتفاع نسبة الانتكاسات نتيجة علاج الادمان، فضلا عن المشكلات الاسرية والعنف المنزلي الذي كثر خلال العام الماضي،

 قياسا بالاعوام السابقة. وذكر الخضاري ان كثيرا من الاشخاص اصبح لديهم هوس من الاصابة بالامراض، خصوصا الكورونا وغيرها، وتولدت لديهم سلوكيات مبالغ فيها للمحافظة على صحتهم، اضافة الى وجود حالات متفرقة وكثيرة للاصابة بمشاعر الاسى نتيجة فقدان الاقارب نتيجة الاصابة بالفيروس،

 مؤكدا ان المجتمع الكويتي لايختلف كثيرا عن المجتمعات المجاورة التي زادت فيها معدلات الإصابة بالأمراض النفسية. واشار الخضاري الى ضرورة التعامل الامثل مع الامراض النفسية والاضطرابات المصاحبة لها، من خلال زيارة الاطباء المختصين بهذا المجال وعدم التردد، نظرا لخطورة تفاقم بعض الحالات، سواء على صحة الشخص او مرافقيه بالمنزل.

الجاسر: الوباء يزيد الوسواس القهري

أوضحت الاستشارية والمعالجة النفسية د.لولوة الجاسر، أن مرض كورونا كان مرضاً مجهولاً، وبطبيعة الإنسان فإنه عدو لما يجهل، لذا شكلت تداعيات الوباء تحدياً كبيراً أمام الصحة النفسية للأسوياء، فيما تضاعفت هذه المشكلة لمن لديهم اضطرابات نفسية ويمشون على خطة علاجية.

وأضافت الجاسر لـ القبس أن أكثر المتضررين من المرضى النفسيين هم الذين يحتاجون إلى تدخل دوائي، كمن يعانون من الأمراض العقلية، حيث يجب أن يمنحوا جرعات بصورة دورية، ويحتاجون إلى تحديد جرعة ومتابعة الآثار الجانبية للأدوية ومدى فعاليتها، 

وفقاً لما يحدده الطبيب النفسي، لذا تأثروا بالإغلاق بصورة كبيرة. وبينت أن المريض النفسي العصابي يحتاج إلى علاج سلوكي معرفي، مشيرة إلى أن مرض كورونا لديه تأثير سلبي في المرضى النفسيين، وقد عملنا خلال فترة الإغلاق على تقديم الاستشارات النفسية عبر الهاتف، بالتعاون مع وزارة العدل، وساعدنا الكثير من الأفراد ممن يعانون من التوهم والوسواس القهري ونوبات الذعر بسبب الانتكاسة التي حدثت حينما أغلقت العيادات النفسية.

 وأشارت إلى أن الوباء يزيد الوسواس القهري. وأضافت أن بعض الأفراد مروا بانتكاسة خفيفة إلى متوسطة لأنهم يحظون بالدعم الأسري، فيما تعرض بعض الأفراد إلى انتكاسة شديدة نوعاً ما، بسبب عدم فهم طبيعة المرض النفسي وانخفض لديهم الدعم الأسري، كما عمل بعض الأفراد على علاج أنفسهم بالاستماع إلى استشارات المختصين، سواء في العلاج السلوكي أو المعرفي.

فرق طبية

شكلت وزارة الصحة لجنة فنية العام الماضي، مكونة من أطباء واستشاريين في مجال الصحة النفسية، حيث وضعت خططها وتصوراتها وشكلت فرق عمل تابعة لها، بهدف مواجهة تبعات وتداعيات أزمة جائحة كورونا مع استمرارها حتى الان.

وتابعت الفرق الضغوط والارتدادات التي تعرض لها الاطباء في الرعاية الصحية الاولية العاملين في مواجهة فيروس كورونا، اضافة الى تواصلها مع المصابين والمتعافين في اجنحة «كوفيد 19» بالمستشفيات العامة.

ضغوط نفسية

أكد اختصاصيون نفسيون أن الشعور بالضغوط النفسية والعصبية يزداد بشكل طبيعي خلال الأزمات التي تواجه الافراد والمجتمعات، لا سيما مع انتشار الفيروسات والأوبئة، وارتفاعها لدى الأشخاص الذين يعانون بالأساس من مشكلات نفسية.

قلق وتوتر

أبرز الآثار النفسية المترتبة على انتشار فيروس كورونا محليا، ارتفاع مستويات الشعور بالقلق والتوتر، والأرق وتقطّع ساعات النوم، وزيادة أو فقدان الشهية فضلا عن اضطراب ما بعد الصدمة النفسية اذا لم يتم تداركها.

اكدت مصادر مطلعة بوزارة الصحة أنه جار العمل والتجهيز لافتتاح 13 عيادة جديدة للصحة النفسية في المراكز الصحية ليصبح إجمالي العيادات 35 عيادة مستقبلا، مبينة ان تقديم الرعاية الصحية في المراكز يأتي لتخفيف العبء النفسي والاجتماعي لمحتاجي هذه الخدمة، وبالقرب من مواقع سكنهم، فضلا عن تخفيف الضغط على مركز الكويت للصحة النفسية.

كوفيد 19 قد يؤثر في الدماغ

اشارت احدى الدراسات التي نشرت مؤخرا، الى أن كوفيد 19 يمكن أن يؤثر في الدماغ والعقل مما يزيد من خطر الإصابة بمجموعة من الأمراض النفسية، لافتة الى ان القلق والاكتئاب والأرق هي الاكثر شيوعاً بين مرضى الكورونا المتعافين الذين أصيبوا بمشاكل نفسية بعد شفائهم.

العلاج النفسي أفضل من الدوائي

شددت المصادر على ضرورة التركيز على العلاج النفسي بدلا من الدوائي لبعض المرضى، لا سيما للذين يعانون من اضطرابات القلق، كاضطراب الوسواس القهري (OCD)، او الاضطرابات المزاجية، كالاكتئاب أو الاضطراب ثنائي القطب، وحالات الإدمان، كسوء استخدام المواد الكحولية أو إدمان المخدرات أو القمار القهري، فضلا عن مرضى اضطرابات ذات صلة بالطعام، او اضطرابات الشخصية، او الفصام.

10 تداعيات نفسية للوباء

1- إغلاق العيادات النفسية منذ ظهور «كورونا» أخر العلاج.

2- زيادة كبيرة في معدلات القلق والاكتئاب.

3- أصيبت شرائح كثيرة بالأرق بسبب الوباء.

4- الخوف من العدوى تحول إلى هاجس مرضي لدى الكثيرين.

5- زيادة مؤشرات العنف المجتمعي والخلافات الأسرية.

6- البقاء طويلاً في المنازل تسبب في ارتفاع معدلات السمنة.

7- المبالغة في النظافة والتعقيم تحولت إلى نوع من الوساوس.

8- عدم حصول مرضى الصحة النفسية على العلاج المطلوب.

9- جائحة كورونا تسببت في مضاعفات عصبية وعقلية كالهذيان والهياج والسكتة الدماغية.

10- تسببت الفجائع الناجمة عن فقدان الأقارب في اضطرابات نفسية تحتاج إلى علاج وتأهيل.





المقالات ذات صله