زوجات الرسول وسبب زواجه بكل واحدة منهن

رسول الله محمد هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، ولد عام الفيل وكان في صغره راعيًا للأغنام وفي فترة شبابه أصبح مسؤولًا عن تجارة زوجته خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-، ولمّا بلغ عامه الأربعين أنزل الله -تعالى- عليه الوحي وهو يتعبّد في غار حراء،

 ليعلن بذلك نبوّته فهو خاتم الأنبياء وسيد المرسلين ونبيّ كلّ بني البشر، وأنزل الله -جلّ وعلا- عليه القرآن الكريم معجزة كلّ زمانٍ ومكان، وتوفي -عليه الصلاة والسلام- في الثالثة والستين من العمر بعد أن قضى ثلاثةً وعشرين عامًا في الدعوة للإسلام وهداية الناس للطريق الصواب،

 وسيسلط هذا المقال الضوء على زوجات الرسول وسبب زواجه بكلّ واحدةٍ منهن

.[١] أمهات المؤمنين أمهات المؤمنين لقبٌ يُطلق على زوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- تكريمًا لهنّ وزيادةً في شرفهنّ ومكانتهن، وقد انتشر هذا اللقب في الإسلام بعد أن ذكره الله -تعالى- في سورة الأحزاب بقوله: {النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}،

[٢]وهنّ خير نساء العالمين وقد خصّهن الله تعالى بتفضيلهنّ على النساء أجمعين فقد قال: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ}،

[٣]وقد كان لهنّ الفضل الأكبر في حفظ الدين الإسلاميّ والسنة النبويّة ونقل أحكام الشريعة الإسلامية للمسلمين جميعًا، ولهذا كان لتعدد زوجات النبيّ الكريم حكمةٌ عظيمة وغايةٌ ساميةٌ ألا وهي الحفاظ على الإسلام بأحكامه وتشريعاته

.[٤] زوجات الرسول وسبب زواجه بكل واحدة منهن الثابت في السيرة النبوية أنّ عدد زوجات الرسول -عليه الصلاة والسلام- أحد عشر زوجة حاله حال الأنبياء جميعًا في كثرة الأزواج، وقد حدد الله -جلّ وعلا- للمسلمين أربعة زوجات فقط وذلك في قوله: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}،

[٥]لكنّ ومن ميزات الرسول الكريم أنّ هذه الآية لم تشمله، وقد أكّد أهل السيرة أنّ الرسول الكريم توفاه الله وعلى عصمته تسعٌ من زوجاته فقد ماتت اثنتان منهنّ قبله، ويأتي ترتيب زوجات الرسول وسبب زواجه بكلّ واحدة منهن على النحو الآتي:

[٦] خديجة بنت خويلد هي أول زوجات الرسول -عليه الصلاة والسلام- تزوجها في عمر الخامسة والعشرين بعد أن كان مسؤولًا عن تجارتها إلى الشام، فأُعجبت بخلقه وأمانته وعرضت عليه الزواج إذ أنّها كانت في عمر الأربعين، فوافق الرسول الكريم لأنّها كانت من أشراف قريش وأغنيائهم وقد كانت تُلقب بين الناس بالطاهرة وكان الجميع يتمنى الزواج بها، وقد توفيت -رضي الله عنها- في السنة الثالثة قبل الهجرة.

[٦] سَوْدةُ بنت زمْعَة كانت ثاني زوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- تزوجها بعد وفاة خديجة -رضي الله عنها- وكان سبب زواجه بها أنّه أراد الزواج بامرأةٍ تهتم بشؤون بيته وأولاده بعد وفاة أمهم.

[٧] عائشة بنت أبي بكر الصديق تزوجها رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بوحيّ من الله تعالى، فقد جاء عن الرسول الكريم أنّه قال مخاطبًا عائشة -رضي الله عنها-: "رَأَيْتُكِ في المَنامِ يَجِيءُ بكِ المَلَكُ في سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ، فقالَ لِي: هذِه امْرَأَتُكَ، فَكَشَفْتُ عن وجْهِكِ الثَّوْبَ فإذا أنْتِ هي، فَقُلتُ: إنْ يَكُ هذا مِن عِندِ اللَّهِ يُمْضِهِ"،

[٨]وكان عمرها تسع سنوات.

[٩] حفصة بنت عمر بن الخطاب يرجع سبب زواجه بها إلى أنّ والدها -عمر بن الخطاب- كان يبحث لها عن زوجٍ بعد أن ترملت، فعرضها على عثمان -رضي الله عنه- بعد موت زوجته رقية -رضي الله عنها- فأجاب بأنّه لا يريد الزواج، فعرضها عمر على أبي بكر الصديق فسكت عنها وبعد أيامٍ خطبها رسول الله 

-عليه الصلاة والسلام- وتزوجها، وقد جاء في نصّ الحديث الشريف أنّ أبا بكر -رضي الله عنه- قال مخاطبًا عمر بن الخطاب: "إنَّه لَمْ يَمْنَعْنِي أنْ أرْجِعَ إلَيْكَ فِيما عَرَضْتَ، إلَّا أنِّي قدْ عَلِمْتُ أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، ولو تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا"،

[١٠]وهي رابع زوجات الرسول الكريم فقد تزوجها بعد عائشة

.[١١] زينب بنت خزيمة تزوجها رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بعد وفاة زوجها في غزوة أحد وذلك لمواساتها في مصابها وتكريمًا لها على صبرها، ولكنّها لم تلبث كثيرًا في بيت النبوة فقد توفيت بعد زواجها بالرسول الكريم بثمانية أشهر، وبهذا تكون ثاني زوجات الرسول يتوفاها الله قبله.

[١٢] أمُّ سلمة بنت أبي أمية تزوجها الرسول الكريم بعد وفاة زوجها أبي سلمة المخزومي -رضي الله عنه-، وقد جاء في نصّ الحديث الشريف أنّ أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: "إذا حَضرتُمُ المريضَ أوِ الميِّتَ، فقولوا خَيرًا، فإنَّ الملائِكَةَ يؤمِّنونَ على ما تَقولونَ فلمَّا ماتَ أبو سلَمةَ أتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقُلتُ: يا رسولَ اللَّهِ،

 إنَّ أبا سلَمةَ قَد ماتَ، قالَ: قولي: اللَّهُمَّ اغفِر لي ولَهُ، وأعقِبني منهُ عُقبَى حسنةً قالَت: ففَعلتُ: فأعقبَني اللَّهُ مَن هوَ خيرٌ مِنهُ، محمَّدٌ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-"،

[١٣]وبهذا يكون سبب زواج الرسول الكريم بها استجابةً لدعائها.

[١٤] زينب بنت جَحْش كانت من زوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- اللواتي أتى فيهنّ أمرٌ إلهي، فقد زوجه الله إياها بعد أن كانت زوجة زيد بن حارثة وذلك بقوله: {فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا}،

[١٥]وكان ذلك في العام الخامس للهجرة.[٦] جُويرية بنت الحارث كانت -رضي الله عنها- من سبايا غزوة بني المصطلق، ووقعت في سهم ثابت بن قيس الشماس فكاتبها، فأتت إلى الرسول الكريم تسأله في أمر هذه المكاتبة، فقال لها -عليه الصلاة والسلام-: "فهل لكِ في خيرٍ من ذلك قالت وما هو يا رسولَ اللهِ قال أقضِي كِتابَتَكِ وأتزوجُكِ قالت نعم يا رسولَ اللهِ قال قد فعلتُ"،

[١٦]وعند انتشار خبر زواج الرسول منها وإسلامها أطلق المسلمون جميع سبايا بني المصطلق لأنّ الرسول الكريم صاهرهم، مما أدى إلى إسلام كلّ القبيلة وتحققت بذلك الغاية العظمى من هذا الزواج.

[١٧] أم حبيبة بنت أبي سفيان هي رملة بنت أبي سفيان ابنة عم النبيّ الكريم وأقرب زوجات الرسول إليه نسبًا، كانت زوجة عبد الله بن جحش الأسدي إلّا أنّه وبعد هجرتهم إلى الحبشة تنصّر ومات وهو على النصرانية، وبعد انقضاء عدّتها أرسل النبيّ الكريم إلى النجاشيّ بأنّه يريد خطبتها فعقد النجاشي قرانهما، ونزل فيها قوله -تعالى-: {عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً}،

[١٨]وكانت المودة بين الرسول الكريم وأبي سفيان بعد زواج النبيّ بابنته وكانت هذه الغاية الكبرى المرجوة من هذا الزواج.

[١٩] صَفيَّةُ بنت حيي كانت -رضي الله عنها- من سبايا يوم خيبر فاصطفاها رسول الله وأعتقها وكان عتقها هو مهرها، وأصبحت إحدى زوجات الرسول -عليه الصلاة والسلام- وصار ذلك سنةً للمسلمين إلى يوم القيامة، بأنّه يجوز للرجل أن يجعل عتق جاريته مهرها وتصيرُ زوجته، وكانت هذه الغاية من زواجه -صلى الله عليه وسلم- بأم المؤمنين صفية.

[٦] ميمونة بنت الحارث كانت آخر زوجات الرسول -عليه الصلاة والسلام- وقد وهبته نفسها بعد أن مات زوجها ونزل فيها قوله -تعالى-: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}،

[٢٠]رضي الله عليهنّ جميعًا وأرضاهن

.[٦] أحب زوجات الرسول إليه كانت السيدة عائشة -رضي الله عنها- أحبّ الناس إلى رسول الله، فقد جاء عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنّه سأل النبي الكريم فقال: "يا رسولَ اللَّهِ! مَن أحبُّ النَّاسِ إليكَ؟ قالَ: عائشَةُ، قالَ: مِنَ الرِّجالِ؟ قالَ: أبوها"،

[٢١]فهي الزوجة الوحيدة التي تزوجها بِكرًا وقد مات في حجرها ودُفن في حجرتها، وقد كان الرسول الكريم يكثر من مديحها وبيان فضلها على الناس أجمعين فقد قال: "وإنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ علَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ علَى سَائِرِ الطَّعَامِ"،

[٢٢]وقد كان لها الفضل الأعظم في الحفاظ على الدين الإسلامي وبيان تعاليمه للمسلمين بعد وفاة رسول الله وقد نقلت عنه الكثير من الأحاديث الصحيحة -رضي الله عنها وأرضاها-.

[٢٣] حكم سبّ أمهات المؤمنين خلص أهل العلم إلى تكفير من سبّ أو قذف السيدة عائشة -رضي الله عنها- لأنّه بذلك يكفر ويكذّب ما جاء به القرآن الكريم عندما أعلن براءتها في حادثة الإفك، وحكمه القتل لأنّه يُعتبر مرتدًا عن الإسلام، أمّا باقي أمهات المؤمنين فقد ذهب بعض أهل العلم إلى اعتبار سبّ إحداهن كسبّ أحد الصحابة وهو ذنبٌ عظيمٌ يستحق العقوبة عليه وقد تكون كعقوبة قذف المحصنات وهي ثمانون جلدة،

 إلّا أنّ غالبية أهل العلم خلصوا إلى أنّ سبّ أو قذف إحدى زوجات الرسول هو كسبّ أو قذف عائشة وعقوبته القتل، فأزواج النبيّ كلّهن شريفات طاهرات منزهاتٌ عن كلّ نساء بني البشر، والله -تعالى- أعلم.[٢٤]





المقالات ذات صله