كيف يستقبل المسلمون الشهر الفضيل؟


كيف يستقبل المسلمون الشهر الفضيل؟

يقول الدكتور محمد داود أستاذ الدراسات اللغوية والإسلامية بجامعة قناة السويس: إن المتأمل لأحوالنا المعاصرة يرى عجباً في استعداد الناس لرمضان، فنسمع ونرى ما يشبه حالة الطوارئ في مؤسسات بيع الطعام والشراب بمختلف أنواعها وأصنافها؛ حتى يخيل إليك أن رمضان قد انقلب لشهر الإفراط في الطعام والشراب، وبمثل ذلك وعلى المنوال نفسه يكون في أمور اللهو والترف، وهكذا حال واقعنا يشهد ويعترف بأننا نخرج بالشهر عن مقصده.

الاستفادة من رمضان

فرمضان شهر القرآن فيه أنزل، وهو شهر الصلاة، صلاة التراويح وقيام الليل، والاعتكاف تأسياً بحال المصطفى ] وليس شهر لهو ولا صخب نصوم فيه عن الانحلال، وهو شهر العمل الجاد والإتقان والإخلاص وليس شهر الكسل والخمول، وهو شهر الأخلاق والمكارم وليس شهر ضيق الصدر وانفلات الأعصاب وشدة الغضب، إن رمضان شهر غذاء الروح بالذكر والدعاء وفعل الخيرات وترك المنكرات.

أكد د.داود أن سبيل المؤمن في الاستفادة من هذا الشهر يكون بالاستعداد لاستقبال هذه النعمة لتتحقق هذه الوجبة الإيمانية التي تسد جوعة الروح بعد أن طالت هذه الجوعة أحد عشر شهراً في مقابل طغيان الجسد بشهواته ونزواته.

أشار إلى أن الصالحين كانوا يستقبلون الشهر الكريم بالتوبة إلى الله عز وجل التي تكون أول الطريق للقرب من الله سبحانه وتعالى. وكانوا يستعدون بتنظيم أوقاتهم خلال هذا الشهر بين عملهم وعبادتهم بعيداً عن اللهو، ومجالس الغيبة والنميمة مع الحرص على صحبة الصالحين. كذلك كان المسلم يحرص على البدء بتلاوة ختمة القرآن، فإن لم يستطع فيقوم بالحرص على سماعه. كما أنه كان يسارع بقضاء ما عليه من صيام إذا كان قد أفطر أياماً من رمضان السابق.. والإكثار من الذكر والدعاء مع كثرة الاستغفار، والتضرع لله عز وجل وسؤاله التوفيق في صوم يرضاه ويتقبله بفضل ورحمة داعياً «اللهم يسر لنا صومنا وتقبل منا».

ويجب على الشباب المسلم تعلم أحكام الصوم وفقهه؛ حتى يكون صومه وفق هدي الله تعالى وسنة رسوله ].

توبة صادقة

يقول الشيخ شوقي عبد اللطيف وكيل وزارة الأوقاف المصرية: إن المسلم يستقبل شهر رمضان دائماً بإخلاص النية لله رب العالمين، وتجديد العزم على طاعته بهمة عالية ونفس راضية، وأنه سوف يتجنب الذنوب، ويبتعد عن المعاصي.. وقد عقد النية على إرضاء الخصوم والخروج من المظالم، وأنه سوف يتعامل مع الناس بالخير والإحسان، وسيكون سبباً مباشراً في إدخال السرور على أهله وأصدقائه وجيرانه، ويوسع النفقة على نفسه وأولاده، وييسر على من يتعامل معه، ويخفف على عماله. وقبل ذلك وبعد ذلك يكثر من ذكر الله، ومن الاستغفار؛ لأنه يدرك تماماً أن الصوم سر بينه وبين الله، وهو طاعة لله سبحانه، وأن الإنسان يثاب على هذه الطاعة ثواباً مفتوحاً لا حدود له؛ لأن الصائم صابر برضاء نفس، والصبر ثوابه الجنة، وعطاء الصابرين فيها بلا حدود مصداقاً؛ لقول الحق سبحانه وتعالى: «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب»، ولما كان الصوم لله فإن كرم الله واسع، والمسلم ينال رضوان الله بالامتثال للأمر الإلهي؛ لهذا فإن الله يخصص باباً في الجنة يقال له «الريان»، ولا يدخل من هذا الباب إلا الصائم الصابر فقط، ولهذا يقول رسول الله ] وسلم: «إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل أحد».

صلة الرحم

يقول الدكتور عبد الحكم الصعيدي الأستاذ بجامعة الأزهر: إن شهر رمضان من شهور الله تعالى التي يحسن الإنسان فيها صلته بالله سبحانه وتعالى، ومع الملأ الأعلى، ومع الناس جميعاً، وأن يسامح المسلم من أساء إليه، ويعيد صلته بذوي رحمه، ولقد قالت الرحم لله تعالى «هذا مقام العائذ بك من القطيعة»، فقال تعالى «أما يرضيك أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك».

إذن، فصلة الرحم من أقرب الطرق الموصلة لله تعالى، والمؤدية إلى أن يكون شهر رمضان في حياة الإنسان فرصة لإعلاء كلمة الله في الأرض، فإذا تراحم المسلمون كانوا أكبر قوة في العالم ولاستحق الجميع في هذا الشهر المبارك أن ينطبق عليهم قول الله تعالى: «إنما المؤمنون إخوة»، وقوله تعالى «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله».

أضاف أن على الأمة أن تعرف فضل هذا الشهر الكريم، وقبل الاجتماع على مأدبة الطعام لابد أن نجتمع على القرآن ونتخذه خلقاً لنا كما كان القرآن خلقاً للرسول الكريم، فالقرآن نعمة أنعم الله بها على الإنسانية، وهذه النعمة تقتضي الشكر على الهداية، ويتمثل ذلك في مبادرة تزكي النفس، وتسمو بالروح، وتستغرق الشهر كله، وهي الصوم الذي يثمر التقوى، فيقول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون». فالتقوى تثمر رعاية الله المتقي في كل ضيق؛ لقوله تعالى: «ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب» وقوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم».

الإسراف حرام

أكد الدكتور حسين شحاتة أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر أنه لابد من التخلص من عادة الإسراف والتبذير التي يشتهر بها المسلمون عند قدوم شهر رمضان، حيث يقومون بشراء ما لذ وطاب من الأطعمة فوق حاجتهم رغم أن الإسراف في تناول الطعام والشراب حرمه الإسلام. كما أنه يؤثر في الاقتصاد، فالتكالب على شراء مستلزمات رمضان بصورة فجة يتسبب في العجز السنوي لميزانية أي مجتمع.

أضاف أن الله سبحانه وتعالى نهى المسلمين عن الإسراف في كل شيء. قال تعالى: «كلوا واشروا ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين» ورغم ذلك مازال معظم المسلمين يتمادون في الإسراف خاصة في شهر رمضان رغم أن الصيام فرصة للإقلال من كميات الطعام للوقاية من الأمراض، فقد قال ]: «صوموا تصحوا». وقال أيضاً: «ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه».

واستطرد شحاتة: إنه يجب عدم الإكثار من إعداد الأطعمة التي لا تحقق مراد الشرع الحنيف من هذه العبادة.. فالصوم يجب أن يكون تدريباً لنفس المؤمن؛ لتغليب مطالب الروح على مطالب الجسد فهو يصعد بالروح لدرجات عالية تكافح الغرائز الهابطة، وتسمو بها إلى عالم الفضائل، ويستعد لذكر الله وشكره على نعمه، ويتعود على القناعة والرضا بما قسم الله له.




المقالات ذات صله