أحكام وآداب عيد الأضحى


إن من السُنّة التهنئة في يوم العيد وذلك بأن يقول المسلم لأخيه "تقبل الله مِنّا ومنكم" أو "عيدكم مبارك" أو "أعاده الله علينا وعليكم" ونحو ذلك من الكلمات..

يأتي عيد الأضحى في أيام عشر ذي الحجة التي هي أفضل أيام الدنيا على الإطلاق لما أخرجه البزار رحمه الله وصححه الألباني في صحيح الجامع عن جابر رضي الله عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل أيام الدنيا أيام العشر» [صحيح الجامع الصغير حديث رقم 1133].

وهذا العيد هو العيد الثاني من أعياد المسلمين بعد عيد الفطر المبارك. ويعد يوم عيد الأضحى أفضل الأيام عند الله ويدل على ذلك مارواه أهل السنن وفيه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القَرّ»- ويوم القر: هو يوم الحادي عشر لأن الحجاج يستقرون في منى

- وفي الحديث الآخر الذي رواه أهل السنن ً وصححه الإمام الترمذي «يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب وذكر لله» وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم «أفضل الأيام يوم الجمعة» [حديث صحيح أخرجه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم 1098]. فإن الأفضلية هنا بالنسبة لأيام الأسبوع فيكون يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع وأما يوم النحر فأفضل أيام العام .

ولعيد الأضحى المبارك العديد من الأحكام والآداب من أهمها:

1- التكبير: فإن التكبير من السنن ليلة العيد ومن فجر يومه في أدبار الصلوات إلى نهاية أيام التشريق وينتهي بغروب شمس يوم الرابع عشر من ذي الحجة لقول الله تعالى {وَاذْكُرُ‌وا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ....} [البقرة: من الآية 203} قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى:

"أما التكبير فإنه مشروع في عيد الأضحى بالاتفاق ثم قال وأما التكبير في النحر فهو أوكد من جهة أنه يشرع أدبار الصلوات وأنه متفق عليه وأن عيد النحر يجتمع فيه المكان والزمان وعيد النحر أفضل من عيد الفطر ولهذا كانت العبادة فيه (النحر مع الصلاة)".

وقال رحمه الله: "وأما النُسّك فإنه مشروع في اليوم نفسه عبادة مستقلة ولهذا يشرع بعد الصلاة كما قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَ‌بِّكَ وَانْحَرْ‌ . إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر} [الكوثر: 2-3].

فصلاة الناس في الأمصار بمنزلة رمي الحجاج جمرة العقبة وذبحهم في الأمصار بمنزلة ذبح الحجاج هديهم ولهذا كان الصحيح من أقوال العلماء أن أهل الأمصار يكبرون من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق لهذا الحديث ولحديثٍ آخر رواه الدارقطني عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولأنه إجماع من أكابر الصحابة والله أعلم، وصفة التكبير هي أن يُقال: "الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد".

2- صلاة العيد: وقد اختلف العلماء في حكم صلاة العيد فيرى الحنابلة رحمهم الله أنها فرض كفاية بينما يرى الإمامان مالك والشافعي أنها سنة ويرى -أبو حنيفة رحمه الله والعديد من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وبعض العلماء المعاصرين كابن سعدي وابن باز وابن عثيمين رحمهم الله جميعاً

- وجوب صلاة العيد لفعل النبي صلى الله عليه وسلم لها ولأنه أمر بها النساء والعواتق وذوات الخدور كما في حديث أم عطية رضي الله عنها حيث قالت: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج في الفطر والأضحى العواتق والحيَّض وذوات الخدور فأما الحيَّض فيعتزلن المصلى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. قلتُ:

يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب قال: «لتُلبِسَها أختها من جلبابها» [متفق عليه]. والأقرب والله أعلم أنها فرض كفاية والسبب أن الصلوات الواجبة هي الصلوات الخمس بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث الأعرابي المشهور وعندما قال الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: "والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص"،

قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أفلح إن صدق». وأما الاستدلال بهذا الحديث فإنه ليس بصريح في الوجوب بدليل الأمر بإخراج الحيض وهن لاتجب عليهن الصلاة وإنما كان ذلك من أجل أن يشهدن الخير ودعاء المسلمين، وفي هذا يقول ابن حجر رحمه الله:

"واستدل به -أي بحديث أم عطية السابق- على وجوب صلاة العيد وفيه نظر لأن من جملة من أمر بذلك من ليس بمكلف فظهر أن القصد منه إظهار شعار الإسلام بالمبالغة في الاجتماع ولتعم الجميع البركة والله أعلم" [فتح الباري 2/606]. ويُصلي الإمام بالناس صلاة العيد في المصلى ركعتين ثم يخطب بهم خطبتين ويسن أن يبكر بالصلاة إذا ارتفعت الشمس لما روا أبو داود وأحمد عن يزيد بن خميَّر قال:

"خرج عبدالله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس يوم عيد فطر أو أضحى"، فأنكر إبطاء الإمام وقال: "إنا كنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد فرغنا ساعتنا هذه".

3- صيام يوم عيد الأضحى: يُحرَم على المسلمين صيام يوم عيد الأضحى ويحرم كذلك صيام أيام التشريق بعده: أما تحريم صيام يوم العيد فللحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم النحر" [متفق عليه]. وأما تحريم صيام أيام التشريق فلما رواه نُبيشة الهذلي رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل» [رواه مسلم]. وعن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا: "لم يُرخصّ في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي" [رواه البخاري].

4- أفضل الأعمال في يوم العيد : إن أفضل الأعمال يوم عيد الأضحى هو صلاة العيد ثم نحر الأضحية فيبدأ المسلم بالصلاة قبل أي عمل آخر ثم ينحر بعد ذلك أضحيته وقد بوب الإمام البخاري رحمه الله بقوله: "باب سُنَّةِ العيدين لأهل الإسلام" ثم ساق حديث البراء رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: «إن أول ما نبدأ من يومنا هذا أن نُصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل فقد أصاب سُنَّتنا» [رواه البخاري].

5- التجمل يوم العيد: فإن من السنة في يوم العيد أن يتجمل المسلم ويلبس أحسن الثياب وأما المرأة فتخرج لصلاة العيد غير مُتجملة ولا مُتطيبة ولا مُتبرجة ولا سافرة لأنها مأمورة بالتستُّر منهية عن التبرج بالزينة وعن التطيب حال الخروج. وقد روى البخاري رحمه الله عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: أخذ عمر جُبَّة من إستبرق

-حرير- تباع في السوق فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ابتع هذه تجمّل بها للعيد والوفود فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما هذه لباس من لا خلاق له». فلبث عمر ما شاء الله أن يلبث ثم أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبة ديباج، فأقبل بها عمر فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنك قلت:

إنما هذه لباس من لا خلاقَ له وأرسلتَ إليَّ بهذه الجبة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تبيعها أو تصيب بها حاجتك». ومنع النبي صلى الله عليه وسلم لعمر عندما أحضر الجبة الأولى فبسبب أنها كانت حريراً والحرير محرّم على الرجال. قال ابن حجر رحمه الله: "توجيه الترجمة أنها مأخوذة من تقريره صلى الله عليه وسلم على أصل التجمل وإنما زجره عن الجبة لكونها كانت حريراً" [فتح الباري 2/567].

6- نحر الأضحية : فإنها من السنن المؤكدة يوم العيد ويشترط لها أربعة شروط: أ- أن تكون من بهيمة الأنعام: وبهيمة الأنعام هي الإبل والبقر والغنم. وتُجزئ الواحدة من الإبل أو البقر عن سبعة أشخاص. ومما تُجزئ الشاة عن الواحد وأهل بيته، لقول أبي أيوب رضي الله عنه لما سُئل: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله؟ فقال:

"كان الرجل يُضحّي بالشاة عنه وعن أهل بيته" [أخرجه مالك والترمذي وابن ماجة بسند صحيح]. ويدل على أن البدنة أوالبقرة تُجزئ عن سبعةٍ وأهلِ بيوتهم؛ حديث جابر رضي الله عنه قال: "حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحرنا البعير عن سبعة والبقرة عن سبعة " [رواه مسلم] ب - أن تبلغ السن المعتبر شرعاً:

والسن المعتبر شرعا هو خمس سنين في الإبل وسنتان في البقر وسنة في المعز وستة أشهر في الضأن. فقد دل الحديث على أن السن المعتبر في الإبل والبقر والمعز هو المُسنَّة ؛ -وهي من المعز ما له سنة، ومن البقر ما له سنتان، ومن الإبل ما له خمس سنوات- لحديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

«لا تذبحوا إلا مُسِنَّة، إلا أن يَعْسر عليكم ، فتذبحوا جذعه من الضأن» [رواه مسلم] أما أقل ما يُجزئ من الضأن فقد دل الحديث على أنه ما كان جذعاً والجذع: هو ما له نصف سنة؛ لقول عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "ضحينا مع رسول الله بجذع من الضأن" [أخرجه النسائي بسند جيد]. ت

- أن تكون سليمة من العيوب التي تمنع الإجزاء وهي أربعة عيوب: فلا تُجزئ العرجاء البيّن ضلعها والمريضة البيّن مرضها والعوراء البيّن عورها والعجفاء وهي الهزيلة التي لا مُخّ فيها حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، والعرجاء البيّن ظَلْعُها -أي: عرجها-، والكسيرة -أي: المنكسرة

- ، وفي لفظ: والعجفاء -أي: المهزولة- التي لا تنقي -أي: لا مخ لها لضعفها وهزالها-» [رواه أصحاب السنن والإمام أحمد بسند صحيح]. ويلحق بها ما كان أسوأ: "منها كمقطوعة الرجل، والعمياء، ولا الهتماء التي ذهبت ثناياها، من أصلها، ولا الجدّاء التي نشف ضرعها من اللبن بسبب كبر سِنّها" [انظر الملخص الفقهي للعلامة الشيخ صالح الفوزان 1/450، وأحكام الأضحية للعلامة ابن عثيمين رحمه الله].

ج- أن تقع الأضحية في الوقت المحدد للإضحية شرعاً وهو من الفراغ من صلاة العيد والأفضل أن ينتهي الإمام من الخطبتين وينتهي وقت الذبح بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق. ويُسنّ لصاحب الأضحية أن يأكل منها لقوله تعالى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير....} [الحج: 28] ولفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وإن شاء طبخها وإن شاء تصدق بها وإن شاء أهدى منها والأمر في ذلك واسع.

7- اللعب والفرح يوم العيد: فمن السنن يوم العيد إظهار الفرح والسرور ولا بأس باللعب المباح لما روته عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي َّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث فاضطجع في الفراش وحول وجهه. ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم!

فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «دعهما». فلما غَفَل غمزتُهما فخرجتا، وقالت: وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدَّرِق والحراب فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم وإما قال: «أتشتهين تنظرين؟» فقلتُ نعم. فأقامني وراءه خدّي على خدّه وهو يقول: «دونكم يا بني أرْفِدة». حتى إذا مللتُ قال: «حَسْبُك؟» قلتُ :نعم.

قال: «فاذهبي» [رواه البخاري]. قال ابن حجر رحمه الله: "وفي هذا الحديث من الفوائد: مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصلُ لهم بسط النفس وترويح البَدن من كلف العبادة وأن الإعراض عن ذلك أولى. وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين" [فتح الباري 2/571].

8- مُخالفة الطريق: فإن من السنن يوم العيد أن يخالف المسلم بين طريقه ذهابا ًوإياباً لما رواه جابر رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق" [رواه البخاري]، قال ابن حجر: "وفي رواية الإسماعيلي: "كان إذا خرج إلى العيد رجع من غير الطريق الذي ذهب فيه" [فتح الباري 2/609].

9- صلاة ركعتين قبل صلاة العيد: ليس من السنة صلاة ركعتين قبل صلاة العيد ولا بعدها إذا كانت الصلاة في مصلى العيد وأما إذا كانت في مسجد من المساجد فلا بأس بصلاة تحية المسجد ركعتين قبل الصلاة ويدل على ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال :"إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم العيد ركعتين لم يصلي قبلهما ولا بعدهما" [متفق عليه].

وأما من فاتته صلاة العيد فمن أوجب صلاة العيد أوجب عليه قضاءها واختلفوا في عدد ركعاتها فقال الإمام البخاري رحمه الله ومن وافقه تقضى ركعتين وقال الإمام أحمد ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله إنها تقضى أربعاً وتوسط إسحاق رحمه الله فقال: إن صلاها في الجماعة فركعتين وإلا أربعاً والذي يظهر والله أعلم عدم قضائها لأنها سُنّة وليست بواجب على مارجحته سابقاً والله أعلم. 9- التهنئة يوم العيد: فإن من السُنّة التهنئة في يوم العيد وذلك بأن يقول المسلم لأخيه "تقبل الله مِنّا ومنكم" أو "عيدكم مبارك" أو "أعاده الله علينا وعليكم" ونحو ذلك من الكلمات.

قال ابن حجر وروينا بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك" [فتح الباري 2/575]. أسأل الله تعالى أن يتقبّل مني ومن أخواني المسلمين وأن يجعل عيدنا سعيداً وأن يكشف عن إخواننا المسلمين في كل مكان ما هم فيه من الهم والضيق والبلاء إنه سميع مجيب وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.




المقالات ذات صله