لاتمت في الظل
لا تمت في الظل
لا ندري إن كان من الأفضل ، أم هو من الأسوأ أن يعيش الإنسان ويموت في الظل , حيث لا يعلم بحياته أحد ، ولا يدري بموته أحد، هكذا ببساطة أتى ومشى واغتذى وارتوى، وفعل في الحياة ما فعل، ثم رحل
لم يأخذ شيئا من الحياةِ، ولم يضف شيئا إليها !
هنا يدرك المرء أن ما قدمه لنفسه من خير هو كل ما سيرحل به:
{ مَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ* تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ
هُوَ خَيْرً*ا وَأَعْظَمَ أَجْرًا }
المزمِّل: 20
لكن الله -تعالى- لا يريدنا أن نرحل هكذا دون أثر
وإلا لما استحثنا النبي - صل الله عليه وسلم - لترك عمل لا ينقطع بالموت
[ إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية . أو علم ينتفع به . أو ولد صالح يدعو له ]
لذا؛ لا تدع نفسك في الظل، بينما ينير غيرك الحياة بعلمهم وعملهم، بل سابق وسارع وأضف لرصيدك شيئا يبقى، ولو مجرد كلمة حق تقرأ فتنقل فتؤثر فتؤجر، لو خرج كلُّ المتقاعسين من الظل ، وحملوا بأيديهم قناديل الهدى والدعوة إلى الخير والإصلاح والعودة إلى الله،
لتغيرت أحوالنا كثيرا، ولتراجعت موجة الإضلال والإفساد التي تسعى لإغراق العقول والأجساد في الوحل المسمى تحضرا وما هو إلا تقهقر للعقل والفكر والدين والرشد، ولكل ما هو حميد، عندما انزوينا في الظلال انطلق دعاة الضلال للضوء وعلى مرأى منا ومسمع؛
عاثوا في البلاد فأغرقوا العباد وأكثروا الفساد , وما جعلنا نقف ملجمي الأفواه إلا خشيتنا أن يقال بأننا رجعيون إذا لم نسايرهم ! نعم نحن رجعيون فعلا منذ زمن طويل منذ أن تراخت الهمم ، وتراجعنا عن القمم وتركناها لهم!
لقد ترك رسول الله -صل الله عليه وسلَّم- في الحياة أعظم أثرٍ، وترك صحابته آثارا بقيت إلى يومنا تذكر ولكن وللأسف خلف من بعدهم خلف لم يتركوا سوى خيباتهم وحسراتهم على ماضي أسلافهم.
فلينظر كل منا لنفسه، وليسألها: ما الذي تركته لمن خلفي؟! إن لم تجد شيئا يستحق فاعمل على إيجاد شيء ذي قيمة ، لا تحقرن شيئا من الأعمال، فلربما كانت هي الأعظم أثرا ، إن كلمة مؤثرة تكتبها، أو نصيحة هينة تسديها، أو بطاقة لطيفة تهديها، أو ابتسامة صغيرة تبديها قد تكون ذات أثر كبير فاعل على من حولك !
لا تعجب فالبسمة صدقة ولها وقعها في القلوب التي تذكرك بالخير وتدعو لك حتى بعد رحيلك، وعليها قس كل أعمالِك، واحسب أيا منها يستحق أن تبقيه، وأيا منها يجب أن تتخلص منه.
لا تدع الأيام تنساب من بين يديك دون أن تضع لمسة لك بها، ولو في محيطك الصغير؛ عائلتك، أصحابك، جيرانك، اغتنم الفرص فهي لا تتكرر كثيرا ، لا تمت دون أن تضيء شمعة لمن سيأتي بعدك، أو تبذر بذرة لشجرة يستظل بها من يخلفك ، ازرع زهرة صغيرة، وإن لم تستطع زرعها فارسمها ولونها بألوانها المشرقة حياة أناس لم يروا في الحياة إلا جانبها المظلم، كن ذا أثر في حياتك، اترك أثر.