الوالدين وزوجة الإبن

((رحم الله من أهدى إلي عيوبي))

الوالدين وزوجة الإبن

سُأِلتُ في هذا الشأن بعد صلاة الجمعة الأسبوع الماضي ولنعتبر هذا هو الجواب ولتعم به الفائدة إن شاء الله.

أيها الإخوة والأخوات:

قد يُبتلى الابن بوجود نَفرةٍ بين والديهِ وزوجتِهِ؛ فقد تكون زوجتُه قَليلةَ الخوفِ من الله، مُحبَّة ًللاستئثارِ بزوجِها .

وقد يكون والدا الزوج أو أحدهما ذا طبيعةٍ حادةٍ؛ فلا يرضيهما أحدٌ من الناس، وربما ألحَّا على الابن في طلاقِ زوجتِه مع أنها لم تقترفْ ما يوجب ذلك.

وربما أوغرا صدره، وأشعراه بأن زوجته تتصرف فيه كما تشاء، فصدق ذلك مع أنه لم يعطها أكثر من حقها، أو أنه قد قصر معها.

فما الحل إذن في مثل هذه الحال ؟ هل يقف الإنسان مكتوف الأيدي فلا يحرك ساكنا ؟ .

هل بعص والديه، ويسيء إليهما، ويسفه رأيهما، ويردهما بعنف وقسوة في سبيل إرضاء زوجته ؟ .

أو يساير والديه في كل ما يقولانه في حق زوجته، ويصدقهما في جميع ما يصدر منهما من إساءة للزوجة مع أنها قد تكون بريئة ووالداه على خطأ ؟

أيها الابن البار:

عليك أن تبذل جهده، وتسعى سعيك في سبيل إصلاح ذات البين، ورأب الصدع، وجمع الكلمة.

إن قوة شخصيك أن تكون قادرا على الموازنة بين الحقوق والواجبات التي قد تتعارض أمامك ، فتُلْبَسُ عليك الأمر، وتُوقِعُكَ في التردد والحيرة.

وهنا تظهر حكمة الإنسان العاقل في القدرة على أداء حق كلٍ من أصحاب الحقوق دون أن يلحق جورا، بأحد من الآخرين.

ومن عظمة الشريعة أنها جاءت بأحكام توازن بين عوامل متعددة، ودوافع مختلفة، والعاقل الحازم يستطيع - بعد توفيق الله - أن يعطي كل ذي حق حقه.

وكثير من المآسي الاجتماعية، والمشكلات الأسرية تقع بسبب الإخلال بهذا التوازن.

ومما يعينكَ على تلافي وقوع هذه المشكلات أن تسعى ويسعى معك كل طرف من الأطراف في أداء ما له وما عليه.

وفيما يلي إشارات، وإرشادات عابرة تعين على ذلك:

وهذه الإشارات، والإرشادات تخاطب الابن الزوج، وتخاطب زوجته، وتخاطب والديه وخصوصا أمَّهُ.

أولا: دور الابن الزوج:

مما يعين الابن الزوج على التوفيق بين والديه وزوجته ما يلي:

أ - مراعاة الوالدين وفهم طبيعتهما: وذلك بألا يقطع البر بعد الزواج، وألا يبدي لزوجته المحبة أمام والديه خصوصا إذا كان والداه أو أحدهما ذا طبيعة حادة.

لأنه إذا أظهر ذلك أمامهما أوغر صدورهما، وولد لديهما الغيرة خصوصا الأم.

كما عليه أن يداري والديه، وأن يحرص على إرضائهما، وكسب قلبيهما.

ب - إنصاف الزوجة: وذلك بمعرفة حقها، وبألا يأخذ كل ما يسمع عنها من والديه بالقبول، بل عليه أن يحسن بها الظن، وأن يتثبت مما قيل في حقها .

ج - اصطناع التوادد: فيوصي زوجته - على سبيل المثال - بأن تهدي لوالديه، أو يشتري بعض الهدايا ويعطيها زوجته؛ كي تقدمها للوالدين - خصوصا الأم - فذلك مما يرقق القلب، ويستل السخائم والضغائن، ويجلب المودة، ويكذب سوء الظن.

د - التفاهم مع الزوجة: فيقول لها - مثلا - إن والدي جزء لا يتجزأ مني، وإنني مهما تبلد الحس عندي فلن أعقهما، ولن أقبل أي إهانة لهما، وإن حبي لك سيزيد وينمو بصبرك على والدي، ورعايتك لهما.

كذلك يذكرها بأنها ستكون أما في يوم من الأيام، وربما مر بها حالة مشابهة لحالتها مع والديه؛ فماذا يرضيها أن تعامل به ؟

كما يذكرها بأن المشاكسة لن تزيد الأمر إلا شدة وضراوة، وأن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه.

ثانيا: دور زوجة الابن: أما زوجة الابن فإنها تستطيع أن تقوم بدور كبير في هذا الصدد، ومما يمكنها أن تقوم به أن تؤثر زوجها على نفسها، وأن تكرم قرابته، وأن تزيد في إكرام والديه، وخصوصا أمه؛ فذلك كله إكرام للزوج، وإحسان إليه.

أيتها الأخت الكريمة :

ما أجمل أن تتعاملي مع حماتِك على أساس الأمومة ، لأنها الشجرة التي أثمرت الزوج، ثم حَنَّتْ عليهِ بظلالها، وسقته من ماء حياتها ، حتى غدا ثمرة تاقت إليها النفوس، وتمنتها القلوب، فكنت أنت أيتها الأخت الكريمة القاطفة لها ، فهل تحبين أن تكوني القاطعة لهذه الشجرة المباركة التي أعطتك هذا الزوج الحبيب الحاني؟! .

إنني أدعوك إلى أن تناجي ظلالها وتسقيها بيدك ماءً يباركها، واعلمي أنك لو أطعت الله فيها يكون لك عند الله الأجر العظيم ، فقد أوصى سبحانه في كتابه العزيز (وبالوالدين إحسانا) . فكما أنك تحرصين على مرضاة أمِك وتفعلين كل ما يسعدها، كذلك فافعلي مع أمِه ، فاتقي الله فيها .

إن العقوق ذنب هو من الكبائر كما قال e: ((ألا أدلكم على أكبر الكبائر ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : الشرك بالله، وعقوق الوالدين، …)) البخاري .

فمن المهم أن تساعدي زوجَك على أن يكون باراً بوالديه وأن توصيه دائماً بذلك، إن برّك بأم زوجِكِ هو بركة لك ، فقد تجد ابنها أغضبك ، فتغضب لغضبك حتى يرضيك..

فكوني لحماتِك الابنةُ والصديقةُ والحبيبة، فتكون لك الأمُ والصديقةُ والحبيبة ؟!

واعلمي أن الزوج أعظم حق عليك من والديك، والزوج مأمورا - شرعا - بحفظ قرابته، وأهل ود أبويه؛ وبالتالي فأنت مأمورة شرعا بأن تحفظي أهل ود زوجك لان ذلك تقوية لرابطة الزوجية.

واعلمي - أيتها الزوجة - أن زوجك يحب أهله أكثر من أهلك، ولا تلوميه في ذلك؛ فأنت تحبين أهلك أكثر من أهله؛ فاحذري أن تطعنيه بازدراء أهله، أو أذيتهم، أو التقصير في حقوقهم؛ فإن ذلك يدعوه إلى النفرة منك، والميل عنك.

ثم اعلمي أن الرجل الذي يحب أهله، ويَبَرُّ والديه إنسان فاضل كريم صالح جدير بأن تحترِمَهُ زوجتُه، وتُجِلُّهُ، وتَؤْمُُلُ فيه الخير؛ لأن الرجل الذي لا خير فيه لوالديه لا يكون فيه - غالبا - خير لزوجة، أو ولد، أو أحد من الناس.

وإذا كنت - أيتها الزوجة - راضية عن عقوق الزوج لوالديه، وعن معاملتك السيئة لهما - فهل ترضين أن تعامل أمك بمثل هذه المعاملة من قبل زوجات إخوانك ؟

بل هل ترضين أن تعاملي أنت بذلك من زوجات أولادك إذا وهن منك العظم، واشتعل الرأس شيبا ؟

وأنت أيتها الأم الحبيبة .. أرجو أن تتنبهي إلى أسباب سلامة ابنك.. فكم كانت سعادتك وأنت تزفين ابنك يوم عرسه، كم كنت موفقة وأنت تؤكدين أن زوجة ابنك ستكون كابنتك.. فماذا يا سيدتي وقع بعد الزواج.. ؟ .

إنها هي التي ضممتها إلى صدرك والسعادة تجري في دمائك وتملأ وجهك، ثم تابعت الحب الذي كان بين الزوجين بعد زواجهما.. فماذا أغضبك من سعادة ولدك وزوجه.. ؟

أيتها الغالية العتاب عليك إذ لم تنزليها منزلة ابنتَكِ، فأنت تفرحين لابتسام زوج ابنتِك وحنوِّه عليها ، أفليس من واجبك أن تغمري ولدك وزوجته بهذا الذي تغمرين به ابنتك وزوجها ؟

حبيبتي الغالية أيتها الأم الحنون .. إن العدل شريعة الله، فراجعي نفسَكِ في علاقتك بزوجة ابنك، واقرأي معاني الرحمة والمودة في كتاب الله، وأن ذوي القربى أولاهم بالمودة والمحبة..

فالزوج هو فلذة كبدك وأبناؤه هم أحفادك.. فاملأي قلبك بالحب للزوجة والأحفاد، حتى ينشأ البيت على أساس من النور الرباني، فالبيوت التعسة هي التي لا يصل إليها نور مرضاة الوالدين ودعواتها لأبنائهما وبناتهما.. فلا تَحْرِمي بيت ولدَك من دعواتِك الحانية، ومودتك المثمرة، فالكل يفنى وتبقى المعاني الجميلة للحياة.. تراحم الأسرة وتوافقها.

لا تبحثي عن أخطاء زوجة ابنك، ولكن انصحيها، واعلمي أنها من جيل غير جيلك ومن واقع غير واقعك، فكوني لها الأم الحنون، الأخت والصديقة وثقي أنها ستعاملك كابنتك وصديقتك، فترفرف بذلك أعلام السعادة على البيت.

اللهم اجعل السعادة ترفرف على بيوت المسلمين ، اللهم حببنا الى بعضنا واصلح ذات بيننا أقول قول هذا وأستغفر الله لي ولكم والحمد لله رب العالمين.

اللهم اعط نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

عباد الله اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.


بحث مفصل



المقالات ذات صله