لبنان بين الليالي الحمراء والسوداء

الخطبة الأولى
فإن الناظر بعين بصره وبصيرته لواقع الأمة اليوم يجد أنها تعيش في فترة حرجة من تاريخها ، فترة مليئة بالمرارة والقروح وهذا مصداق ما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما الأكلة إلى قصعتها . فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال :

بل أنتم يومئذ كثير ؛ ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن ، قيل وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت " وهكذا فقد تداعوا علينا بخيلهم ورجلهم على اختلافهم ومشاربهم واختلاف أديانهم ، واستباحوا حمى هذه الأمة بعد أن نام حماتها


ومن رعى غنما في أرضِ مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد
إن هذا الزمن الذي تعيش فيه الأمة هذه الويلاتُ هو زمن استثنائي في ماضيها الشامخِ العزيز وغدِها المشرق بالنصر والتمكين المبين ،

إن المسلم الواهن الحزين عليه أن يعلم أن ما عاشته الأمة في سابق عهدها وما ستعيشه في مستقبلها من العز والنصر ، هو أعظم قدرا وأطولُ زمانا مما يصيبها اليومَ من الجَهد والبلاء " ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون "

شاء الله تعالى لهذه الأمة أن تُمتحن وتُبتلى بكفارَ صرحاء وبمنافقين مارقين من داخلها وبمشركين خرجوا عنها وارتدوا بعد أن كانوا يتفيؤون ظلالها ، ولحقت قبائل من هذه الأمةِ بالمشركين كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فعبدوا القبور والأضرحةَ ،

وظهرت أحزاب وشعارات تدثّرت وتغطت بدثاراتٍ وشعاراتٍ إسلامية يحسبها السامع إسلاميةٌ وهي في الحقيقة خارجةٌ عن ملة الإسلام ، تزعم أنها تناصر الله ، وهم في الحقيقة مشركون بالله خارجون عن شرعه ، عبدوا من دون الله من الأولياء والصالحين مَن تظاهروا بحبهم خداعا لهذه الأمة ، وظنا منهم بأن ما هم عليه الحقَ وإنْ هم إلا على الباطل ولكن لا يشعرون .


أيها الموحدون
لقد اختُرقت هذه الأمة بأعداء صُرحاء من اليهود والصليبين وبأعداء منافقين خرجوا ومرقوا عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واختاروا التظاهر بالإسلام للطعن فيه من الداخل ، يتسمون بأسماءِ المسلمين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم " أناس من بني جلدتنا وتكلمون بألسنتنا " كما اخترقت الأمة بطرقٍ شركية وأحزابٍ جاهلية جعلت منها مرتعا للبدعة والشرك والقبور

والأضرحةٍ والمزارات تُعبد من دون الله عز وجل ، وإن من نكد الدنيا أن تَحدُث هذه المعاركُ وهذه الحروبُ والصراعاتُ بين الأعداء الصرحاءَ من اليهود والنصارى وبين تلك الأحزابِ التي تتسمى باسم الإسلام ، والتي ما فتئت تُغلف نفسها بغلاف الإسلام على حساب المسلمين ،

على حساب الموحدين ، على حساب الأراضي التي فتحها صحابةُ النبي صلى الله عليه وسلم وأبناؤهم وأحفادهم رحمهم الله ورضي عنهم وأرضاهم ، فلا تكد تجد لأهل الإسلام والتوحيدِ اليومَ رايةً واضحة ، أو أنهم يديرون معركةً لهم بوضوح ،

لقد اختلطت الأمور وصار الناس في أمر مريج ، ولكن أملنا أن هذه الأمةَ أمةٌ مرحومة والمصائبُ التي تتوالى عليها إنما هو رحمةُ الله بها ، والله تعالى يصطفي شهداءَ ويصطفي علماءَ ويصطفي بررةً أتقياءَ يعبدونه في وقت الشدة ويعرفونه في وقت الاختلاط ووقت المرج والهرج حين تضرب الفتن وتقوم دائرة الحروب ،

فيتعلق قلب المسلم بالله ، يحقق توحيدَ الله ويجدد الإيمانَ في نفسه " إن الله يدافع عن اللذين أمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور " والمسلم الذي ينظر بعين الشرع إلى هذه الأحداث يعلم يقينا أن كل ما يحدث إنما هو بقضاء الله تعالى وقدره "

ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير " والمسلم يرى حُمَما تُصَبُّ على إخوانه فهو يعلم بأن ما أصابهم وما أصاب غيرهم ممن ليسوا على هذه الملة الحنيفية والتوحيد هو بأمر الله تعالى " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المتوكلون "
عباد الله

إن هذه الأحداث وهذا التسارُعَ لهذه النكباتِ يذكِّر المسلمين باليوم الآخر ، وأن هناك محكمةُ عدلٍ إلهية تُنصب فيها الموازينُ وتوزن فيها الأعمال والصحائف والعمال ، فيُوجبُ هذا للمسلم رجعةً إلى الله وتوبة إليه ، وربما فُتن بعض المسلمين بالذهاب إلى تلك البلاد لأجل مبارزة الله بالمعاصي ،

فأعادتهم هذه الأحداث إلى الله تعالى وردتهم إلى صوابهم وبينت لهم حقائق الأمور ، نعم .. ربما فكر البعض بالذهاب إلى تلك البلاد للمعصية ، ملاهي ومقاهي ، باراتٍ ومراقص ، ضياعُ أوقات وأعراض ،

تهتكٌ وفساد ، وهؤلاء الذين يريدون أن تشيعَ الفاحشة في الأرض قد نصبوا هناك من مواسمِ الصيف أوكارا عظيمةً للفساد ، وروّجوا تجاراتٍ ضخمة للجنس والبغاء ، وأداروا أنشطة عظيمة للفساد والإفساد ، وكان بعض الغيورين من المسلمين يحذر إن الله على الانتقام قادر ،

وإن الله تعالى على عقوبةِ هؤلاء الذين ملئوا الفضاءَ بضجيج الفساد في قنواتهم والدعايات لهذه المحرماتِ الصيفية قادر على إنزال البطش بهم ، فيقول بعضهم تلك أيام ولّت من حروب أهلية ، واليوم هو يوم الانتعاش ، فإذا بحرب الله وانتقامِه لهم من حيث لا يشعرون ،

فتفسد تلك الخطط والمخططات وتعود تلك الملاهي بلقعا وردوا على أعقابهم خاسرين، هناك يعلم المسلم أن الله تعالى يتصرف كيف يشاء " كل يوم هو في شأن " يفاجئ عباده بأمور ، ويقدر أحداثا ووقائع لم تكن على البال والخاطر ، فمن الذي يعلم الغيب إلا الله ، ومن الذي يقدر الأمور إلا الله ،

ومن الذي يسلط من يشاء على من يشاء إلا الله ، ومن الذي يضرب الظالمين بالظالمين إلا الله ، ومن الذي يسلط اليهود على المشركين إلا الله ، فسبحانه من إله يرفع ويخفض ، يعز ويذل ، يحي ويميت ، يُمرض ويشفي ، إليه الأمر كل ، وإليه يرجع الأمر كله ، وهو وحده المتصرف في هذا الكون ، يفعل ما يشاء ، ويختار من يشاء ،

وهو سبحانه أيضا يبتلي المسلمين الموحدين ، فيكفر ذلك من سيئاتهم ويرفع من درجاتهم كي يقبلوا عليه ويؤوبوا إليه ويكثروا من العبادة والعمل الصالح بين يديه ، روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " العبادة في الهرج كهجرة إلي " والهرج هو الفتنة وكثرة القتل ،

والمعنى أن المسلمين لو صار فيهم وبين أحيائهم من القتل والتدمير فإنهم لا ينشغلون عن عبادة الله تعالى ، بل يثبتون حتى مع طيران المهج وخفةِ العقول وطيشها ، يثبتون بثبات الله ، قال طلق بن حبيب : إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوى ، قال وما التقوى ،

قال أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجوا ثواب الله ، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله ، وإن من العبر في مثل هذه الفتن والحروب ، دروس للعباد في الصبر والبذل ، فإنه لا إيمان إلا بالصبر ، ولا يملَّ العبد بالتواصي مع إخوانه بالصبر " تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " والله تعالى يبتلي "

ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين " لقد أصيب كثير من المسلمين من الموحدين من أهل السنة في هذه الحرب الغير متكافئة تماما في أموالهم وأرواحهم وأبدانهم وبيوتهم وأهليهم ومصادرِ كسبهم وعيشهم " الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون *

أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المفلحون " والنبي صلى الله عليه وسلم يخبر فيقول " إن السعيد لمن ابتُلي فصبر " وهذا يقود إلى رحمة المسلمين وبذل المعروف لهم وإعانتهم وعدم جواز زيادة الشدائد عليهم ، وقد يقع في مثل هذه الحروب من أنواع البلاء ما يقع ، فيقوم أعداء الله تعالى باستباحة نفوس المسلمين وأموالهم وأعراضهم ، فيكون في هذا ابتلاءٌ عظيم ،

وهذا الابتلاء من سنة الله في هذه الحياة " ونبلوكم بالشر والخير فتنة " وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا ، فقال لي : إنما بعثتك لأبتليك وأبتليَ بك ، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقضانا ، وإن الله أمرني أن أحرِّق قريشا ،

فقلت ربي إذا يفلقوا رأسي فيدعوه خبزا ، قال استخرجهم كما استخرجوك واغزُهم يُغزكَ وأنفق فسننفق عليك وابعث جيشا نبعث خمسةً مثله وقاتل بمن أطاعك من عصاك " ومعنى الحديث " إنما بعثتك لأمنتحنك بما يظهر منك بقيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة والجهاد في سبيل الله حق جهاده والصبرِ لله تعالى ، وهكذا يبتلي الله تعالى المرسلين وأتباعهم ليظهر إيمانُهم وإخلاصُهم في الطاعات ،

وينافق من ينافق ممن يدخل بينهم ، فيمتحنه ليظهر نفاقه بارزا ، لأن الله تعالى لا يعاقب العباد على علمه السابق فيهم ، ولكن على ما يقع منهم ، فهو يعلم ما سيقعون فيه قبل وقوعه ولكن لتقوم الحجة عليهم ويستحق العذاب من يستحقه ، فإنه يبتلي ليستخرج ما في النفوس من الإيمان أو الكفران أو النفاق والظلم والتخاذل أو النصرة لله ولرسوله ،

قال تعالى " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين " وقوله في الحديث " وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقضانا " أي أن هذا القرآن يكون في قلوب الحفاظ لا يغسله الماء فهو باق في الصدور ،

وأمره ربه صلى الله عليه وسلم أن يحرق قريشا ، فقلت إذا : يفلقوا رأسي ، يعني يشدخوه ويشقوه فيدعوه خبزا ، أي يُكسر الرأس كما يكسر الخبز ، ثم قال له : واغزهم نُغزك أي نعينك ، وهكذا أمر الله تعالى بإعداد القوة لمواجهة ومحاربة من عصاه " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " وإذا كان الكفار من اليهود والنصارى والمشركين من هذه الأحزاب يستعدون لملاقاة بعضهم بعضا ،

فأحرى لأهل الإسلام والتوحيد أن يأخذوا الأهبة والعدة للقاء أعدائهم ، لأن الله كتب المواجهة ما دامت السموات والأرض فلا بد منها ، ولولا هذه المواجهة لفسدت السموات والأرض " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت السموات والأرض " ولو كره من كره ، فإن الله تعالى قد أخبرنا أننا ربما نكره شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.
عباد الله
إن هذا الذي تكرهه النفوس مما شرع الله فيه بذل الأموال والمهج فيه خير عظيم والله تعالى يقول " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا [ أي : عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة وهو خير لكم في أنكم تغلِبون وتظفرون وتغنمون وتُنصرون وتُؤجرون ومن مات مات شهيدا ] وعسى أن تحبوا شيئا [ أي : تحبون ترك الجهاد والركونَ إلى الدعة وهو شر لكم بأنكم إذا ركنتم إلى الدعة والراحة واشتغلتم بالدنيا والزرع تُغلبون وتذِلون ويذهب أمركم ] قال الإمام القرطبي رحمه الله :

وهذا صحيح لا غبار عليه كما حصل في بلاد الأندلس ، فقد تركوا الجهاد وجَبُنوا عن القتال وأكثروا من الفرار ، فاستولى العدو على البلاد وأسر وقتل وسبى واستباح الحمى فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ذلك بما قدمت أيدينا وكسبته " عن عثمان بنَ الهيثم قال : كان رجل بالبصرة من بني سعد ، وكان قائدا من قواد عبيدِ الله بن زياد ،

وعبيدُ الله بن زياد كان ظلوما غشوما ، فسقط عن السطح ، أي : هذا القائد ، فانكسرت رجله ، فدخل عليه أبو قِلابة أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ويزوره ، فقال له : أرجو أن تكون لك خيرة ، فقال له يا أبا قِلابة : وأيُ خير في كسرِ رِجليَّ جميعا ،

قال له : ما ستر الله عليك أكثر ، فلما كان بعد ثلاث ، ورد عليه كتاب بن زياد [ قائده الظلوم الغشوم ] يأمره أن يخرج فيقاتل الحسين بن علي رضي الله عنه وعن أبيه [ أوكل إليه الخروج لملاقاة بنِ بنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسين بن علي رضي الله عنه ] فقال للرسول الذي سلمه الرسالة : قد أصابني ما ترى ، فما كان إلا سبعا حتى وافى الخبر بقتل الحسين بن علي رضي الله عنه ، فقال الرجل المصاب : رحم الله أبا قِلابة لقد صدق إنه كان خيرةً لي ، إذْ لم أخرج لملاقاة بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم "
عباد الله :
إن الذين يعدون العدة في نفوسهم وأعمالهم لملاقاة أعداء الله تعالى بصدق فإن الله يعينهم " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " قال بن القيم رحمه الله " لو توكل العبد على الله حق توكله في إزالة جبل عن مكانه مأمورا بإزالته لأزاله " ولذلك كان المسلمون إذا صدقوا في إعداد العدة لملاقاة العدو الحقيقي فإن الله معهم يعينهم ويؤيدهم وينصرهم ويؤازرهم ، أما قتال الفتنة فيما بينهم أهلُ التوحيد ، فإنه حرام وظلم ،

ولذلك ما كانت سيوف المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم توجه إلا للعدو الواضح فقاتلوا يهود بني النظير وبني قريظة وخيبر ، والنصارى في مؤتة وخرجوا لملاقاتهم في تبوك في جيش العسرة وقاتلوا المشركين في بدر وأحد والخندق وخرجوا لملاقاة ومقابلة المشركين في الحديبية وفتحوا مكة ، فقاتل النبي صلى الله عليه وسلم أنواعَ الأعداء ، اليهود والنصارى والمشركين ، وهؤلاء المشركون كانوا أعداء أعدائه ، ولذلك لا يمكن أن يغفُل المسلم عن قتال المشركين ،

وربما طغى عداء اليهود والنصارى فأنسوا بطغيانهم عداء أهل الشرك الذين يزرون القبور ويبنون عليها الأضرحة والمزارات ويعبدون الأولياء من دون الله ، ولماذا أرسل الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم إلا لمحو الشرك وإقامة التوحيد ، أرسله ليعلن أن لا إله إلا الله ويقاتل أهل الأوثان ، لأن الله سبحانه واحد لا شريك له ، فمن أشرك معه نبيا أو وليا أو صالحا أو أحدا غيره فإنه يُقاتل ،

لأن الجهاد في سبيل الله إنما شرع لإقامة التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ، وهو أغلى شيء في هذا الوجود ، فمن كفر بالتوحيد أو أشرك به أو عاداه فإنه يقاتل ، وتكون العداوةُ له ، وإذا لم يقدر المسلم على قتال هؤلاء المشركين فإنه لا بد أن يبغضهم بقلبه .
عباد الله


إن الأحداث اليوم تبين بجلاء التطبيقات الواقعية للآيات الكريمات والأحاديث النبوية فالله يقول في كتابه " لتجدن أشد الناس عداوة للذين أمنوا اليهود والذين أشركوا " أخبر أنهم يعيثون في الأرض فسادا وأنه نهاهم " ولا تعثوا في الأرض مفسدين " لكنهم يخالفون أمره ، فيعثُون في الأرض الفساد ، يهلكون الحرث والنسل ، وبجميع أنواع الأسلحة يسفكون الدماء ،

فلا يمتنعون عن قتل طفل ولا امرأة ولا شيخ كبير ، وهذا أحد حاخاماتهم يفتي أن من يترحم على أطفال غزة فإنه ينظر إلى أطفال إسرائيل بوحشية ، أباحوا في غمرة حربهم على إخواننا المسلمين في فلسطين وغيرها أن يقتل النساء والأطفال ، فتبين فساد هؤلاء وأيًّ سلام يدعون إليه ، وأي تطبيع يريدونه ،

فلم تسلم المزارع من حالهم ، وحتى سيارات الإسعاف ولا هؤلاء النازحين الهاربين من جحيم قذائفهم ، يجلونهم من أرض ليقتلوهم في أخرى ، ويقطعون الطرق ، وتراهم في المقابل يخففون القصف لإجلاء رعاياهم ورعايا أصحابهم من الأجانب ثم بعدها يدكون الأرض دكا ،

ويقصفون الآمنين في بيوتهم ، وهكذا يعيش الناس في أمر مريج ، اللهم أمنا في أوطاننا ، وأصلح ذات بيننا ، وارفع عنا الغلاء والوباء والحروب والنكبات يا سميع الدعاء ، وعن سائر إخواننا الموحدين في كل مكان يارب العالمين ، اللهم اجعلنا سلما لمن سالمك ، حربا لمن حاربك يا رب العالمين
بارك الله

الخطبة الثانية
الحمد الله لا يحمد على مكروه سواه ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله معبود لا رب لنا سواه ، وأشهد أن محمدا عبد الله خليله ومصطفاه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وسلم تسليما كثيرا إلى يوم لقاه ، أما بعد .. فيا عباد الله :


وهكذا تجري الأحداث ليتعلم المسلمون أعداءهم من هم ، وأحيانا تُظهر الأحداث عجز المسلمين ، وربما تكون المعركة بين أطرافٍ لا للمسلمين فيها ناقة ولا جمل سوى أنهم وقودها ، وعلى أرضهم تدور ، والرحى تطحن وهم في وسطها .
إن على المسلم أن يتعلم أن هذا الدين رحمة ،

وأن البشرية إذا انحرفت فإنها تصنع آلات الدمار والخراب وتخترع وتبتكر للأشد فتكا من غزات سامة وأشياء محرقة وأمور تفسد الأرض وتهلك الحرث والنسل ، وتستعمل آلات التضليل من إعلام ضخم من قبل الأعداء ، فيرى المسلم هيمنتهم في المجالس العالمية ، واستعمالهم لحقوق الاعتراض المزعومة على القرارات شرقا وغربا ، غير أن الذي يبصر بعين الشرع يعلم أن الله أكبر ،

وأنه فوق هؤلاء جميعا ، وأنه إذا شاء أن يأخذهم بلمحة بصر أخذهم " وما أمره إلا واحدة كلمح بالبصر " ولكنه يبتلي ويقدر هذه الحروب والنوازل لينكشف الأعداء على حقيقتهم ، إنها ابتلاءات شديدة ، من صبر عليها كانت رحمة في حقه ، ومن لم يصبر وقع في فتنة أشد


فاصبر فإنك في النوازلِ رائد والدرب نعلم شائكٌ وطويل
فالصبر روضات لأبناء الهدى ولجنة الرحمن تلك سبيل


ورحم الله النعمان بن بشير يوم قال " إنه لم يبقى من الدنيا إلا بلاء وفتن فأعدوا للبلاء صبرا " والمسلم يتفاءل ويثق بنصر الله عز وجل ، وأن نصره قادم لا محالة ، ولكن لمن ؟ ومتى ؟ ولذلك لابد من توفير شروطه ، ليقدره الله وينزله على أهله ، ويحقق المسلمون مبدأ الولاء لإخوانهم ، والبراءة من أعداءهم ، ويحذرون من موالاة أعداء الله ،

ولا يغترون بالمنافقين " كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون " ويحذر من تسلل الأعداء وما يحدث منهم من التشويش وإثارة الرعب ، وعلى المسلم أن ينظر في عواقب الأمور فلا ينَخدع بل لا بد أن يكون فطنا ، ورحم الله الفاروق يوم قال " لست بالخَبِّ ولا الخبُّ يخدعني " فليس المؤمن لئيما ماكرا ولا يدع مجالا للئيم الماكر ليخدعه ، وإنما يكون على بصيرة من أمره " فالمؤمن كيس فطن ، وليس كيس قطن ،

يغزل منه الأعداء ما يريدون غزله ، ولكنه حازم لا يُستغفل ، إن المسلم لا يُتلاعب به بالشعارات البراقة ، ولا بالكلمات المثيرة للعواطف ، بل إنه على درب وهدي مستقيم ، وذا منهج واضح ، ورحم الله الإمام أبو زرعة يوم قال في المتكلمين الذي يزعمون أنهم أظهروا دين الله " لا تكون منهم في سبيل ،

فإنّ آخر أمرهم مكشوف ، وإنما يتموَّه أمرهم سنة أو سنتين ثم ينكشف ، فلا أرى أحدا أن يناضل عن أحد من هؤلاء ، فإنهم إن تهتّكوا يوما قيل لهذا المناضل أنت من أصحابه ، وإن طُلب يوما طُلب هذا به ، لا ينبغي لمن يعقل أن يمدح هؤلاء " والمؤمن مع من أحب ، فإذا أحب أعداء الله فهو معهم والعياذ بالله ، والرجوع إلى الدين الخالص هو الحل لجميع هذه المصائب ،

والجميع يعلم أن بعض ما يقع من أحداث يستغله اليهود في ستر عوراتهم ويغطي به اليهود على جرائمهم ، فما يحدث اليوم في لبنان قد أنسى الناس أهل غزة وفلسطين وأهل السنة في أرض الرافدين فلا بواكي لهم يقتلون ويهجرون ويذبحون ذبح الشاة بأيدي الزنادقة والمنحلين والمشركين والصليبين ، فمن الذي يرثيهم اليوم

أما فلسطينُ الثكول فإنها تُطري صنيعك والدموعُ سواكبُ
لم تَنْسَها والظلمُ منتصرٌ بها والعدلُ منهزمُ الفيالقِ هارب
والنارُ تأخذُ أهلها فمعذَّبٌ يُشوى على أيدي الطغاةِ وذائب
ما للشيوخِ ولَلْعذارى عصمة الهولُ طامٍ والردى متكالب
أَمِنَ الجرائمِ أن يُزحزحَ غاصب ويُردَّ عن حقِّ الممالكِ ناهب
المجرمُ الوَرِعُ الذي يَدَعُ الحِمى حَذَرَ الجريمةِ والأثيمُ التائب
الله أكبرُ يا سلالةَ يعْرُبٍ بالت على حَرَمِ الأسودِ ثعالب

اللهم أعن إخواننا المسلمين الموحدين في كل مكان ، اللهم أعنهم ولا تعن عليهم ، وانصرهم ولا تنصر عليهم ، اللهم كن معهم يارب العالمين ، اللهم داوي جرحاهم واشف مرضاهم ، اللهم أبرء مريضهم وجريحهم يا رب العالمين ، اللهم ارحم موتاهم وقتلاهم ، واجعلهم شهداء عنك يا رب العالمين ،

اللهم اجعلهم على الحق ثابتين ، وفي وجوه الأعداء مناضلين ، ثبت أقدامهم ، واربط على قلوبهم ، واشدد وطأتك على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين ، اللهم إنا نسألك لبلادنا وبلاد المسلمين الأمن والأمان ، والسلام والإسلام

من أراد بلدنا هذا وبلاد المسلمين بسوء فامكر به ، واجعل كيده في نحره ، ورده على عقبيه صاغرا ، اللهم اهتك ستره واقطع دابره وشمت به يا رب العالمين ، اللهم اجعلنا من أهل الحق وعلى الحق ، أحينا مسلمين وتوفنا مؤمنين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد الله رب العالمين


بحث مفصل



المقالات ذات صله