بحر الافكار
يستغرب كثير من الناس عندما يجلس مع نفسه ليبحث عن فكرة متميزة, ويبدأ في عصر مخه ليخرج أي فكرة لكنه يفشل, ومهما ضغط على مخـّه واستخرج الأفكار تلو الأفكار ولكنه في النهاية يجد نفسه أمام فتات من الأفكار التي لا تسمن ولا تغني من جوع, وغالباً ما يكون التبرير بأن الوقت ليس مناسباً للتفكير, ولكن نحب أن نذكر هؤلاء الأشخاص بمقولة لينوس بولينج حين قال "أفضل طريقة للحصول على فكرة جيدة هي أن يكون عندك الكثير من الأفكار".
الأفكار ليس لها وقت معين أو زمان, فالأفكار هي عادة من عاداتك, إن خلقتها وأوجدتها في حياتك ستجني ثمارها دائماً, وإن حرصت على التفكير باستمرار بشكل مبدع ومتجدد ستجد عقلك حاضراً عندما تستدعيه ليبحث لك عن فكرة, ولكن إن همشت ذلك العقل وبحثت عنه في الطوارئ فقط, فلن تجده دائماً لأن غبار الحياة الاعتيادية والتفكير البليد قد غطى الجانب المبدع الذي يحتاج دائماً إلى ذهن متقد سريع البديهة وليس مهمشاً منذ فترة طويلة, ويقول اند راسل "معظم الناس يفضلون الموت على التفكير.. وفي الحقيقة فإن هذا ما يفعلونه".
البحث عن التميز والتجدد هو ما يجعلك متمسكاً بمختلف الأفكار التي ترد إلى ذهنك, وغالباً ما يكون الشخص المفكر هو أحد الباحثين عن التميز, وعدم رضاه بالواقع الذي يحدث أمامه وطموحه الدائم نحو التطور والتقدم إلى الأمام هو ما يجعله منشغلاً بالأفكار التي تختصر له الزمان والجهد والمكان, فهناك كثير من الأفكار العظيمة التي غيرت مجرى التاريخ وغيرت لنا الحياة, لتكون بهذا الشكل المتطور بسرعتها الفائقة إلى الأمام, وهنا يجب أن نقول إن الفكرة لا تكفي, بل لا بد من إقناع الآخرين بها, ولنتذكر دائماً مقولة وليم أوسلر "في العلم يذهب التقدير لمن يقنع العالم وليس لمن تأتيه الفكرة أولاً".
يختلف كثير من الناس في تعامله مع الأفكار, فهناك من الناس من يهاجم أفكاره قبل غيره ويحطمها, وغالباً ما يكون هؤلاء من الأشخاص الذين يفتقدون الثقة بالنفس وبالأفكار التي تخرج من عقولهم, وهناك من لا يفكر ولا يرضى بأفكار الآخرين, ومهما جلست وحاولت إقناعه بالفكرة وما هي الأرباح والفوائد التي سيتم حصادها من تلك الفكرة, إلا أنه متيقن كل اليقين أنها فكرة غير جيدة ولن تحقق شيئاً.
وهناك من الناس من يعدّ الأفكار نوعاً من الإهانة, لأنها قد تكون تعبيراً عن عدم الرضا, فبمجرد أن تقترح له فكرة ستجده يزبد ويثور وكأنك قذفته بأقبح الشتائم, ولهذا نجد هذه الأصناف جميعها تحارب الأفكار, وكل من يساهم في نشر ثقافة الأفكار, وهم ملتزمون بمقولة والتر باجيهوت حين قال "أعظم آلام النفس البشرية هو ألم الفكرة الجديدة".
وفي المقابل هناك أشخاص تشكل الأفكار جزءاً من حياتهم, فغالباً ما يجدون فكرة لكل مشكلة, وتكون أفكارهم في متناول اليد دائماً, فبمجرد أن تطلب منهم فكرة في مجال معين, ستجدهم يغرقونك بسيل جارف من الأفكار, تجعلك تقف مذهولاً أمام تلك العقول العظيمة, التي تفكر بطريقة مبدعة وجديدة ولديها غالباً الحل الأمثل لكل شيء مطروح, وهؤلاء لم يصلوا إلى هذه المرحلة إلا بعد عناء واستطاعوا أن يتغلبوا على كل الحواجز والعراقيل التي تقف في وجوههم, حتى أصبح من الصعب أن يقف شيء في طريق إبداعهم وتميزهم, وهؤلاء قد يواجهون كثيراً من العراقيل, لأن العالم يواجه كل من يريد التغيير ويطمح للتطوير, وهذا ما جعل هوارد مانفورد يقول "حضارتنا تفخر بالآلات التي تفكر وتشكو من الرجال الذين يحاولون التفكير".