الانسان
إعتبر كانط في كتاب المنطق أنّ سؤال ما الإنسان؟ هو السؤال المحوري الذي تدور حوله كلّ الفلسفة. وباعتبار اّنّه مفهوم مركزي، قد يعسر تحديده تحديدا نهائيّا. فمن جهة يمكن أن نعتبر أنّ كلّ فيلسوف يحدّده إنطلاقا من منطلقات فلسفته الأنطولوجيّة أو المعرفيّة، ومن جهة ثانية قد يكون الأصل في اختلاف الفلسفات هو الإختلاف في تحديد مفهوم الإنسان.
اعتبر أفلاطون أنّ الإنسان هو النّفس العاقلة الخالدة والأزليّة التي لا تلتحق بالجسد إلاّ عرضا (أنظر أفلاطون). في حين إعتبر أرسطو أنّ الإنسان "حيوان ناطق" أي عاقل وهو بتعريفه هذا يعتبر أنّ العقل صفة مميّزة للإنسان تجعله يختلف جوهريّا عن بقيّة الحيوانات(أنظر أرسطو).وذهب إبن سينا إلى أنّ إنّية الإنسان أي ما يمثّل جوهر ذاته تكمن في النّفس المجرّدة التي يمكن أن نتصوّر وجودها ويمكن أن توجد بالفعل دون الجسد وبالإنفصال عنه (أنظر إبن سينا). أمّا ديكارت فالذّات الإنسانيّة بالنّسبة له تكمن في الحقيقة في الجوهر المفكّر، والإنسان ثنائيّة نفس وجسد أي جوهر مفكّر وجوهر ممتدّ. وقد اعتبر سبينوزا أنّ القول بهذه الثّنائيّة هو أمر لا يمكن تصوّره كما لا تصدّقه التّجربة والوقائع وإنّما الإنسان ينتمي في وجوده إلى وحدة الوجود ككلّ إنّ ماهيّته تكمن في المجهود الذي به بقاؤه.
وقد كان على الفلسفة التي تختلف في توجّهاتها عن الفلسفة المثاليّة أن تحدّد الإنسان إعتمادا على أسس أنطولوجيّة أخرى. ويأخذ الجسد عندئذ الموقع المركزي ويصبح الفكر عرضا من أعراضه أو تأخذ النّفس صبغة مادّيّة لا تختلف جوهريّا عن الأجسام الطّبيعيّة. ويصبح الفكر إفرازا من إفرازات المادّة أو وظيفة من وظائف الكائن العضوي الذي هو الإنسان. وقد كان للإكتشافات في مجال البيولوجيا وما قبل التّاريخ دورا أساسيّا في تشكّل مفهوم الإنسان فظهرت مفاهيم مثل:
- البشريّات :Hominiens (الإنسان باعتباره رتبة من رتب الرّئيسات).
- الإنسان الماهر : Homo habilis.
- الإنسان القائم: Homo erectus .
- الإنسان الذّكيّ : Homo sapiens.
- الإنسان الذّكيّ المعاصر : Homo sapiens sapiens. وهو النّوع من البشريّات الذي ينتمي إليه الإنسان المعاصر.
لقد أدّت نظريّة التّطوّر إلى اعتبار أنّ الإنسان قد تحقّق تميّزه عبر مراحل تطوّره وأنّ الوعي أو العقل هو نتيجة من نتائج تطوّره ككائن حيّ. وفي هذا الإتّجاه سار ماركس إذ رأى أنّ وعي الإنسان يتحقّق عبر التّاريخ ومن خلال فعله في الطّبيعة واحتكاكه بها عبر أدوات الإنتاج وفي إطار علاقات الإنتاج (الإنسان كائن إجتماعي).
وفي هذا المنحى الإنتروبولوجي يتحدّد الإنسان باعتباره صانع أدوات أي أنّ تميّزه وخصوصيّته نتجت عن إستعماله للأدات وعمله في الطّبيعة من خلالها يبدو العمل عندئذ كمؤسّس للإنسانيّة الإنسان. إلاّ أنّ هذه الخصوصيّة قد تتحدّد بالنّسبة للبعض من خلال معطى آخر هو اللّغة فيتحدّد الإنسان عندئذ كـ "حيوان رامز" (كاسيرار)، فالذي يصنع الإنسان هو ملكة التّرميز التي تمكّنه من اكتساب اللّغة وهي التي تجعل منه كائنا عاقلا وواع.
وقد يُنظر للإنسان باعتباره نتاجا للتّفاعل بين ما يوجد بالطّبيعة فيه وما يكتسبه نتيجة لوجوده الإجتماعي. غير أنّ تحديد أين ينتهي الطّبيعي وأين يبدأ الثّقافي هو موضع إشكال.
وفي توجّهات أخرى يتحدّد الإنسان باعتباره كائن الرّغبة أو كائن الإرادة.(نيتشة، شبنهاور، فرويد).
وأخيرا إعتبر الوجوديّون أنّ طبيعة الإنسان غير قابلة للتّحديد وأنّه ليس هنالك ماهيّة تحدّد مسبّقا وجود الإنسان وإنّما وجوده يسبق ماهيّته وبالتّالي تكون الحرّيّة أخصّ خصائص الإنسان.