غير الحجاج.. كيف يستفيدون من الحج؟!
يقترب الحج وتتضاعف اللهفة والاشتياق ومشاعر الحرمان لكل من لم يسعد بالحج..
في الأسطر التالية نهديكم خطوات عملية للاستفادة من مناسك الحج وأهدافه؛ لتنتعش الأرواح وتغتسل القلوب وتتجدد العقول للفوز بخيري الدين والدنيا معا..
تعهّد وانتصار!!
ونتساءل: لماذا يحجّ المسلم؟!
والإجابة: لإظهار العبودية التامة لله وحده، وتجاهل كل ما يربطنا بالدنيا، فنترك الأهل والأحباب والممتلكات والأعمال، ونتوجه بقلب خالٍ إلى خالق الكون؛ لنهنأ بعبادته، ونحن نرتدي ملابس أشبه بالأكفان، وكأننا نعلن عن استعدادنا لترك دنيانا وللوقوف بين يدي الرحمن لنغتسل من ذنوبنا ونتطهر منها ونتعهد بعدم تكرارها، وبدء صفحات نقية وناصعة البياض، ونبذ كل ما يغضب الرحمن أثناء الحج وبعده، ومجاهدة النفس وقهر الشيطان والانتصار عليه.
سارع بالاغتسال!!
"أحلم بالحج لأغتسل من ذنوبي وأتطهر منها"..
هذا ما يردده الكثيرون.
ونهمس: ولماذا تؤجلون الاغتسال وتربطونه بالحج؟ ففي كل لحظة لدينا جميعا الفرص الرائعة للاغتسال؛ فالتواب الرحمن الغفور يبسط يديه دائما لقبول توبة كل مذنب، وقد أهدانا رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلم صلاة التوبة، وهي ركعتان بعد الاغتسال بنية التوبة، فماذا لا نكررها ونتوب ونتطهر من ذنوبنا، ونكره تكرارها بقلوبنا وجوارحنا، ونقرر بكل قوانا طردها، ونبكي بين يدي الرحمن طالبين العفو والهداية والرحمة، ونسأله أن يرزقنا التقوى، وهي خير من كل كنوز الأرض مجتمعة..
وقفة عرفات.. فرصة!!
فلننتهز فرصة وقفة عرفات، ونتّحد قلبا وروحا مع كل الحجاج، وندعو لهم بقبول الحج، وبالعودة أفضل مما ذهبوا، وأن يكتبنا الرحمن مع المتطهرين، والله يحب المتطهرين، ومع التوابين والذاكرين والخاشعين، ونصفي قلوبنا من أية أحقاد أو مشاعر ضغينة تسكنها ضدّ أي إنسان، مهما بلغ أذاه لنا مبلغا شديدا، ولنسامحه -دون إخباره- وقلوبنا تنبض بالآية الكريمة: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
مكاسب دنيوية!!
ثم ندعو له بالمغفرة والهداية فنفوز بمكاسب رائعة دينية ودنيوية؛ فالأولى معروفة، فالله يحب المحسنين وكفى بها جائزة..
أما الدنيوية فسنرتاح من أعباء نفسية هائلة مؤلمة عندما نتذكر الإساءة، ونستفيد من الطاقات الهائلة المهدرة في تذكّر المعاناة والتفكير في الانتقام، وندّخرها للاستفادة منها فيما يفيدنا دينيا ودنيويا..
ونتعلم كراهية الجدال المنهيّ عنه أيام الحج، ونحسن لأنفسنا فالرحمن لم ينهنا عن الجدال إلا لحبّه سبحانه وتعالى لنا، لذا يطالبنا بحماية أنفسنا عن كل ما يؤذينا نفسيا أو دينيا أو اجتماعيا، وأن نتعلم الارتفاع عن الصغائر، وندّخر أنفسنا للأهم في الدين والدنيا، فلا نبعثر قدراتنا فيما يضرّنا..
رطّب قلبك!!
فلنحبّ أنفسنا ونرطّب قلوبنا بالذوبان حبا وخشوعا للرحمن اللطيف، ولنغمض أعيننا، ونتخيل أنفسنا نؤدي هذه المناسك الطاهرة وسط الزحام الرائع الذي جاء ليكون الدليل المتحرّك على الآية الكريمة: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}..
ولنتنفس بكل خلايانا الحكمة الرائعة من تخلي الحجاج عن كل ما يميزهم ماديا أو اجتماعيا؛ فالجميع سواسية، فلا نتعالى على أحد ولا نسمح لأحد بالتعالي علينا، ونتعامل مع أنفسنا ومع الجميع كما قال الله تعالى : "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"..
كل ثانية!!
وهذا لا يعني الانعزال عن الدنيا، ولا الانشغال بصلاة النوافل وصيام التطوع كما يعتقد البعض، بل علينا تدبّر الآية الكريمة..
{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.
فننوي أن تكون كل ثانية في حياتنا عبادة للرحمن، سواء قضيناها في عمل ديني أو دنيوي أو ترفيه مشروع بالطبع أو نوم أو ملاعبة الأطفال، ونجدد نيتنا دائما بالسعي الدائم لإرضاء العزيز الحكيم..
لماذا لا نبدأ منذ وقفة عرفات عمرا جديدا نتطهر فيه من كل ذنوبنا؟
لماذا لا نبدأ منذ وقفة عرفات عمرا جديدا نتطهر فيه من كل ذنوبنا؟
ليس فيلما تسجيليا!
فلنتابع الحجاج في تحرّكاتهم بقلب واعٍ وعقل يقظ، وننمّي الشوق بداخلنا، ولا نشاهدهم وكأننا نشاهد فيلما تسجيليا عن الحج..
فقد ذهب الكثيرون للحج ولم يستفيدوا سوى إسقاط الفريضة، والقلة هي التي استمتعت بعمق ورهبة وسموّ الحج فتعاملت معه بما يليق بجلاله، واستفادت منه بقلوبها وبجوارحها وتنفّست مكاسبه، وارتوت منها، واحتفظت بهذا الارتواء بداخلها ما بقيت على قيد الحياة، ورعته بحب واهتمام، وحرصت على زيادته بحسن العبادة وتعميق الشعور بأننا مجرد ضيوف على هذه الدنيا، وتهتف بقلوبها وعقولها دائما: "لبيك اللهم لبيك".
عمر جديد!!
لماذا لا نبدأ منذ وقفة عرفات عمرا جديدا نتطهر فيه تماما من كل ذنوبنا ونغتسل ونصلي ركعتي التوبة، ونعاهد الرحمن على أن نكون أفضل دينيا ودنيويا، وننفّذ النصيحة النبوية الشريفة: "استعن بالله ولا تعجز".
فلنستعن بالعزيز الحكيم دائما في كل أمورنا فنحن عبيد لا حول لنا ولا قوة مهما بلغت قوتنا في الحياة الدنيا أو عظمت مكانتنا أو تكاثرت ممتلكاتنا، فكل ذلك رزقنا به الرحمن وحده؛ بما في ذلك العقول والنشاط ونعمة السعي، فلنسعد بالعبودية التامة فبها وحدها نتحرر من كل ألوان الشرك ومن العبودية سواء للجاه أو للمناصب أو الاموال أو لحب الدنيا والأولاد والشهوات وبها نتشابه مع الحجاج.
"الحج الروحي"!!
فالحج هو قصد الزيارة لبيت الله الحرام، فلنقم بـ"الحج الروحي" ونحن في منازلنا فهناك من يستغرق في القراءة أو مشاهدة أفلام عن مكان، فيستمتع به ويستفيد ربما بأضعاف بعض من قاموا بزيارته بالفعل، ولنجعل من أنفسنا ذلك القارئ الذكي، والذي يقدّر قيمة ما يسعى لمعرفته حقّ قدرها، فنمتزج مع الحجاج قلبا وقالبا، ونخصص أوقاتا يومية في أيام الحج؛ لمراجعة أنفسنا دينيا ودنيويا، ونتخلص من كل ما يسرق تقدمنا للفوز بمحبة الرحمن عز وجل..
لنفوز بمكاسب الحج!!
يشترط العلماء قيام الحجاج بالتوبة الخالصة وردّ المظالم إلى أهلها، فلماذا لا نبادر بذلك؟ ولماذا نؤجلها حتى نفوز بالحج؟
وفي الحج يشعر الحاج بالانتماء إلى ربه ويتخلّص من التعصب لمذهب أو جنس أو لون أو وطن، لماذا لا نقوم بزراعة هذا الانتماء وتجديده دائما، وأن نشعر بالعزة، وبشرف العبودية للخالق وحده.
والحاج الذكي وحده الذي يعرف أن الحج بداية وليس مجرد رحلة يقوم بها ليتطهر من ذنوبه، ويعود ليستأنف ارتكاب ذنوب أخرى..
لماذا لا نقتدي بالحاج الذكي ونجعل من الحج بداية جديدة لنا، ولحظة فارقة نفارق فيها ما اعتدنا ارتكابه من أخطاء؟ ولا يوجد بشر معصوم، فكلنا نخطئ وخير الخطائين التوابون كما أخبرنا بذلك حبيبنا ونبينا صلوات الله وسلامه عليه..
لماذا لا نعتبر كل يوم بداية جديدة لنصبح أكثر حبا وأفضل طاعة للرحمن الرحيم؟
صدق النية!!
يقال إن من علامات قبول الحج أن يعود الحاج أحسن خلقا وأفضل في كافة تفاصيل حياته الدينية والدنيوية، ويستشعر وجود الله في حياته دائما، فيخجل من فعل ما يغضب الله عز وجل، ويفرح بفعل كل ما يحبه الخالق.
فلندرب أنفسنا على ذلك، فنعيش سعداء بعزة المؤمن واحترامه لكرامته وسعيه دائما للنجاح في كافة جوانب حياته ليكون مؤمنا قويا؛ فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله وفي ذلك فقط يتنافس الأذكياء..
التفتيش بذكاء!!
ولنراجع أنفسنا لنحميها من الغفلة أو الغرور، ونفتّش بذكاء عن تأثير كل من النفس الأمّارة بالسوء، والشيطان الرجيم في تصرفاتنا اليومية، فنتطهر منها، ونقوم برجم شياطين الداخل والخارج، ونعلن تنبّهنا لغوايتها، وعزمنا الأكيد على إجهاض مخططاتها لإفساد ديننا..
فلنصدق النية للرحمن، ولنطلب الحج وثوابه ومكاسبه الروحية الهائلة، ونستشعر قبولنا ونجدد "الحج الروحي" دائما.. ولنجعل كل قطرة من دمائنا وكل نفَس من أنفاسنا وكل دقة من دقات قلوبنا تتعطر بذكر الرحمن، وأعمارنا تتسابق في طاعته بالأعمال الصالحة، وبالأقوال الطيبة، والجميع يردد بخشوع وتدبر وتجديد للعبودية الخالصة لرب العالمين وحده: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك. لا شريك لك لبيك..