هل تعلم أن للوحوش فائدة ؟!!

منذ أكثر من مائة عام مضت كان أحد رؤساء أمريكا الكبار، والذي يُعتبر من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية، يمارس مهامه في الحكم؛ وعلى الرغم من ثقل هذه المهام وتنوعها؛ فإن الرجل لفت انتباهه أمر غريب.. فيبدو أنه كان يحب مراقبة مجتمع الغابة، بعاداته وطقوسه المثيرة.. ووسط هذا المجتمع العامر بالحيوانات أُعجب كثيراً بالغزلان، ربما لمنظرها الجميل ورشاقتها الفريدة، وخطواتها التي تثير الإعجاب.


وبعدها دخل حبها في قلبه، هاله أن تُصبح هذه الغزالة الجميلة فريسة لوحوش الغابة الضارية، واتخذ الرجل قراره بمساندة الغزلان الأمريكية، ووقّع قراراً رسمياً بشحن حملة ضارية على الوحوش الآكلة للغزلان، ولاقت حملته مساندة إعلامية كبيرة، في حدود الوسائل الإعلامية لهذا الزمان.


وراح محبوه ومريدوه يطبلون ويهللون للحملة، وبات التخلّص من تلك الوحوش مهمة قومية للمواطن الأمريكي، وبالفعل آتت الحرب أؤكلها وتناقص عدد الوحوش إلى حد كبير.


ولكن ماذا كانت النتيجة يا ترى؟


إجابة طبيعية جداً
أسمع أحد القراء الذين يداومون على قراءة مقالاتي وهو يهتف قائلاً: لقد زادت أعداد الغزلان إلى حد أصبحت فيه خطراً على توازن الدولة البيئي والحيواني، وأصبح التخلّص منها واجباً لا بد منه.


وهي إجابة منطقية أهنئ القارئ عليها؛ لأنها تُثبت أنه أصبح صاحب فكر منطقي منظّم؛ فهذه الإجابة هي أول ما خطر على بالي وأنا أسمع هذا الموضوع لأول مرة؛ ولكن للأسف عندما عرفت الحكاية إلى آخرها تبيّن لي أني مخطئ، وتعلّمت أن الحياة دائماً ما يكون فيها أشياء غير متوقعة لا يجب الحُكم عليها بما عرفناه في السابق.


فالغزلان أيها الصديق لم يزد عددها بعد التخلّص من الوحوش التي تنغّص عليها حياتها؛ بل حدث العكس؛ فقد راحت أعداد ذلك الحيوان الجميل تتناقص بشكل غريب، وأصبح مهدداً بالانقراض، وبالطبع فزع الرئيس الأمريكي -صاحب القلب الرقيق- وأمر مستشاريه وخبراء البيئة بتحليل تلك النتائج ومعرفة الأسباب المؤدية لها.


الوحوش شرّ لا بد منه
وبالفعل تحرّك الجميع لتفسير تلك الظاهرة الغريبة، ووصلوا لنتائج أغرب؛ فقد تبين لهم أن الوحوش الآكلة للغزلان كانت تُهاجم الغزالة الأضعف بين القطيع، وسرّ ضعف تلك الغزالة غالباً ما يكون إصابتها بمرض ما، وكان افتراسها يعني القضاء على محاولة هذا المرض للتفشي بين أفراد القطيع.. وأصبح عدم وجود خطر يهدد تلك الغزلان دافعاً لها على الخمول وقلة الحركة عن المعتاد، وبالتالي فَقَدَت الكثير من رشاقتها، وربما أصابها بعض الترهّل؛ على عكس تركيبتها الجسدية؛ مما جعل تلك الأمراض تصيبها، وتنتقل بينها بسرعة أكبر.


وبالطبع قام الرجل بإلغاء قراره الأول، وترك الوحوش تمارس مهمتها الطبيعية في مهاجمة الغزلان، بعد أن عرف أن الخطر الأكبر عليها، هو عدم وجود خطر!!


إنني كثيراً ما أسمع من قُرّاء كتبي الذين يتّصلون بي، أو من خلال الندوات، حُجة مكررة من الشباب والشابات، بأن ما يؤخرهم عن النجاح هو ضغوط الحياة، وبأنهم لا يستطيعون العمل والإنجاز تحت ضغط، ولو أن الحياة كانت أكثر هدوءاً وسكينة لفعلوا الأعاجيب.


فوائد الضغوط
وأنا أأسَفُ على هذه الحجة الواهية، وأأسَفُ أكثر لأن ردي عليهم يكون قاسياً؛ فهؤلاء المنتظرون لتصفُوَ الدنيا وتتعدل الأحوال حتى يتحركوا؛ إنما هم واهمون!! فكل أصحاب النجاحات على مدار التاريخ في مصر أو في أوربا وأمريكا، الآن أو منذ آلاف السنين، جاء نجاحهم رداً على الضغوط التي تعرّضوا لها.


ولولا وجود ضغوط مستمرة مقلقة واقعة على رءوس هؤلاء الرجال، وكأنها نواقيس خطر لا تكفّ عن الطرق أبداً؛ ما توصّلت البشرية إلى وضعها الحالي، ويمكنك الرجوع إلى مقالاتي السابقة في سلسلة "نقطة التحول"، أو "ناجحون مصريون" على "بص وطل" للتأكد من ذلك.


ثم دعوني أُجري معكم اختباراً أعزائي القراء، وأطلب منكم أن ترجعوا إلى إنجازاتكم السابقة التي ترون أنكم حققتموها في مشوار الحياة، وقولوا لي: كم منها أتى دون أن يكون عليك ضغوط؟ وكم منها جاء تحت وطأة ضغوط تدفعك للالتزام بالفعل؛ أياً ما كانت الظروف المتاحة؟


فإذا كان الكثير جاء بسبب هذه الضغوط، والنادر هو ما أتى وأنت في حالة هادئة مستقرّة؛ فهذه سُنّة من سنن الحياة الدنيوية.. وصَدَق الشاعر حين قال:


بُنِيَت على كَدَر وأنت تريدها ... صافية من الأقذار والأكدار
ومُكلِّفُ الأيامِ ضِدَّ طِبـاعـهـا ... مُتطلِّبٌ في الماءِ جَـذوةَ نـارِ


كُنْ مثل الغزلان
فإذا استطعت أن تُخرج من الماء البارد جذوة نار مشتعلة؛ فأنت على حق في انتظار رفع الضغوط عنك، أما إذا وثقت أن ذلك مستحيل؛ فتعامل مع الدنيا بقوانينها كما تفعل الغزلان، واستفد من وحوشك الضارية المتمثّلة في ضغوط الوقت أو الناس أو المال، واكتسب رشاقة وقوة عضلات لتواجهها وتحقق النجاح؛ فأحياناً يكون للوحوش فائدة.


وأرجو أن تخبرنا بأصعب الضغوط التي تواجهك، وكيف ستستفيد منها من الآن لتكون حافزاً لك على العمل والنجاح.




المقالات ذات صله